إيران: هجرة الأدمغة وإشكالية العودة

حسناء بو حرفوش

لطالما شكلت علاقة النظام الإيراني بالشتات معضلة خصوصا في سياق البحث عن الشرعية، حسب مقال بموقع مجلة “فورين بوليسي”، يسطّر “محاولة إدارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تعزيز شرعيتها ومواجهة التحديات، من خلال المساعي لاستقطاب الجالية الإيرانية الكبيرة وتشجعيها على العودة إلى البلاد والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والتكنولوجية. ويبرز في هذا السياق المشروع المقدم في كانون الأول 2021 “لدعم الإيرانيين في الخارج” وإنشاء منصة على الإنترنت تمكّن المغتربين من إجراء استفسارات وضمان السفر الآمن إلى إيران من دون القلق بشأن الملاحقة القضائية أو المخابرات. مع الإشارة إلى أن الحكومة لا تعترف بالجنسية المزدوجة عملا بالمادة 989 من القانون المدني الإيراني، وتعتبر الجنسية الثانية للأشخاص من أصل إيراني الذين حصلوا على جواز سفر أجنبي بعد العام 1901 لاغية وباطلة.

ولطالما استقطبت السلطات الإيرانية العدد المتزايد من الإيرانيين الذين يهاجرون إلى دول أخرى بحثا عن فرص الاستثمار والتوظيف والتعليم، وسحبت ملايين الدولارات من رؤوس الأموال التي يمكن استخدامها لصالح بلدهم الذي يعاني من ضائقة مالية. ومع ذلك، لم تقم الحكومة بالكثير لمعالجة الأسباب الجذرية لهروب رأس المال البشري. وبينما تختلف تقديرات عدد السكان الإيرانيين في الخارج، قد يكون من الصعب قياس الأرقام الدقيقة لأن الكثيرين لا يرغبون بتحديد بلد ميلادهم؛ ومع ذلك، خلصت وزارة الخارجية الإيرانية في تقرير يعود لعام 2021 إلى أن حوالي 4 ملايين إيراني يعيشون في الخارج، بما في ذلك نحو 1.5 مليون شخص في الولايات المتحدة. كما أن أحدث مسح صادر عن مكتب الإحصاء الأميركي والذي صدر عام 2018، حدد أكثر من 467 ألف أميركي على أنهم من أصل إيراني. كما يعتقد أن صافي الثروة الإجمالية للمغتربين الإيرانيين يبلغ حوالي 1.3 تريليون دولار، لكن بعض المسؤولين الحكوميين توصلوا إلى تقويمات أعلى تصل حتى تريليوني دولار.

ووسط الآفاق الاقتصادية الكئيبة للبلاد، أصبحت الحريات المدنية مقيّدة بشكل أكبر وبات الحفاظ على العلاقات الطبيعية مع العالم الخارجي أصعب بعد، فالإيرانيون يتمسكون بشكل متزايد بالهجرة، ليس فقط إلى البلدان ذات الدخل المرتفع في أوروبا وأميركا الشمالية لكن أيضا إلى البلدان المجاورة، على غرار أرمينيا وجورجيا وتركيا. ويفيد مرصد الهجرة الإيراني، بزيادة عدد المهاجرين الإيرانيين ثلاثة أضعاف مقارنة بالسنوات السابقة. وفي عام 2020 وحده، قدم 3000 طبيب طلبات للتقاعد المبكر والهجرة بعد تفشي وباء كورونا وانهيار القطاع الصحي.

وأصبحت الهجرة الدولية من إيران مرادفا لهجرة العقول، إذ وجد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 1999 أن حوالي 25% من الإيرانيين الحاصلين على أقل تقدير على تعليم ما بعد الثانوي قد هاجروا إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي هجرة استمرت في السنوات التالية. وتتكبّد إيران خسائر اقتصادية هائلة نتيجة مغادرة مواطنيها ذوي التعليم العالي والمهاري للبلاد، والتي تصل إلى 150 مليار دولار سنويا. ومن البديهي أن الدولة المستهدفة بالعقوبات الاقتصادية الصارمة والتي يتآكلها الفساد المستشري والفقر المدقع والبطالة، تفقد بريقها في عيون سكانها، الذين يبحثون في أماكن أخرى عن أمل مستقبلي واعد وسلمي. ومما يزيد الطين بلّة، أن الحكومة الإيرانية تبقي شعبها تحت قيود صارمة من حيث الحقوق الثقافية والاجتماعية والمدنية، مما يزيد من الخنق الاقتصادي بقمع محكم على الحريات الشخصية وقناعة جيل الشباب بالسعي لحياة سعيدة.

وإذا كان من الممكن ربط المشاكل الاقتصادية المتغيرة جزئيا بالضغط الخارجي، وهو موضوع خلاف بحد ذاته، فمن غير الخاضع للمساءلة سبب إصرار الحكومة على إضافة طبقات من التعقيد إلى الوضع الراهن الذي لا يمكن الدفاع عنه من خلال التدخل في خيارات أسلوب حياة مواطنيها ومهاجمة آخر بقايا حرياتهم، مما أدى إلى ظهور دورات جديدة من الهجرة.

ومن الواضح أن هروب رأس المال البشري بهذا الشكل لن يؤدي إلا إلى مضاعفة التراجع وتكبيد الحكومة المتعثرة تكاليف جديدة للبقاء على قيد الحياة وسط حظر اقتصادي كامل. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات الى استعداد الحكومة لإعادة تقويم علاقتها بمجتمع الشتات بشكل ملموس والبناء على قدرتها على إعادة بناء الدولة المنكوبة بالأزمة. أما إدارة رئيسي فلم تفعل شيئا يذكر لتمهيد الطريق أمام المغتربين في البلاد للحصول على حياة مزدهرة وآمنة في إيران. كما لا يضمن التشريع المذكور أعلاه أي نتائج ذات مغزى، لأن إغراء الإيرانيين بالعودة سيتطلب إصلاح المعتقدات التقليدية التي دفعت الآلاف من الإيرانيين إلى ترك منازلهم في البداية.

أضف إلى ذلك أن عشرات الإيرانيين مزدوجي الجنسية تعرضوا في السنوات الأخيرة، للاحتجاز بعد سفرهم إلى طهران، والصورة الديبلوماسية المنشرة عن ثقافة الرهائن حيث يساوم النظام لانتزاع تنازلات سياسية وأمنية واقتصادية من خلال استغلال مزدوجي الجنسية في إجراءات قضائية تعسفية وإجراءات تغيب عنها الشفافية. وبالتالي، لا شك أن هناك حواجز كبيرة أمام إعادة العلاقات مع الشتات. والحلول المطروحة ليست الأكثر واقعية والوعود تتلاشى سريعا بمجرد أن يدرك المغتربون أنهم ليسوا محط ترحيب حقيقي في بلادهم”.

شارك المقال