العالم نحو التعدديّة القطبيّة

رامي الريّس

باستثناء الإهتمام الكبير بإنجاز تسوية سياسيّة كبرى تتصل بالملف النووي الإيراني، لا يبدو أن الإكتراث الأميركي لسائر قضايا الشرق الأوسط قد وصل إلى درجات مرتفعة. بعد مرور عام على دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض وجلوسه على كرسي الرئاسة، قليلة كانت المبادرات التي اتخذتها الإدارة الحاليّة تجاه المنطقة.

لقد كان وما زال الصعود الصيني يقلق واشنطن، ولا سيّما أنّه لامس قضايا وملفات لطالما كانت حكراً على الغرب وعلى الإدارات الأميركيّة المتعاقبة خصوصاً في المجال الإقتصادي والتكنولوجي والتقني. ثمّة شعور في العاصمة الأميركيّة أن استنزاف الجهود السياسيّة في النزاعات التقليديّة من شأنه أن يحوّر الإهتمام عن الخطر الأساسي الذي تمثله الصين تليها روسيا بطبيعة الحال.

لقد سبق للعديد من الرؤساء الأميركيين أن كرّسوا إهتماماً خاصاً للشرق الأوسط ولا سيّما من زاوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على الرغم من الإنحياز الدائم بما لا يقبل الشك إلى إسرائيل وعدم قدرتهم على الإنفكاك من التأثير الواسع لمجموعات الضغط الصهيونيّة التي تدفع في إتجاهات تتلاءم مع مصالحها في ملفات السياسة الخارجيّة الأميركيّة. كما أن أيّاً من الإدارات الأميركيّة المتعاقبة لم تتمكن من لجم التوسع الإستيطاني الإسرائيلي أو من ممارسة الضغط على الحكومات الإسرائيليّة لتحقيق تسوية سلميّة قائمة على حل الدولتين.

صحيحٌ أن ثمّة أدبيّات كلاسيكيّة دأبت الإدارات الأميركيّة على إصدارها من حين إلى آخر تتعلق بملفات المنطقة الشائكة مثل الحل السياسي في سوريا والدفع قدماً في “عمليّة السلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسوى ذلك من المواقف التي تنسجم مع مرتكزات السياسة الخارجيّة التي اعتمدت منذ سنوات؛ إلا أن ذلك لم يُترجم من خلال سياسات واضحة تمّت بلورتها في الأشهر الأولى لرئاسة بايدن أسوة بما كان يحدث مع سواه.

وإذا كان الإنكفاء الأميركي ليس كاملاً حيال بعض الملفات في المنطقة مثل دعم الجيش اللبناني، على سبيل المثال، أو الموافقة على استجرار الطاقة إلى لبنان، أو تأخير الإنسحاب الأميركي من العراق وسوريا؛ إلا أن ذلك لا يلغي أن التراخي الحالي أدّى إلى المزيد من التمدد لقوى إقليميّة لها أجنداتها ومصالحها وأهدافها.

ولكن طالما أن مصالح الدول الكبرى لا تتأثر بالضرورة بتلك السياسات التوسعيّة، حتى ولو تأثرت بها الدول الصغرى والضعيفة؛ فإن ذلك لن يدفعها بالضرورة إلى أن ترسم سياسات جديدة تتمكن من خلالها من إعادة التوازن المفقود في المنطقة. ثمّة أولويّات أخرى في مواقع أخرى وملفات أخرى.

خلاصة القول ان النظام العالمي الذي كان عنوانه الأحاديّة القطبيّة منذ انهيار الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات، يعود إلى التعدديّة القطبيّة في هذه الحقبة. وفي طليعة اللاعبين الكبار طبعاً موسكو وبكين. أما أوروبا، فهي تعاني من مشاكلها الخاصة ووحدتها على المحك ولا سيّما بعد الإنسحاب البريطاني منها.

شارك المقال