ريمون خوري كان يعلم بالنيترات وحُيّد عن تحقيق المرفأ!

راما الجراح

منذ بدأ الإنسان بوعي مفهوم الحياة الإجتماعية، أدرك أنه بحاجة الى وضع أسس لادارة مجتمعاته والمحافظة على التوازن في العلاقات المجتمعية بين مكوّنات هذه المجتمعات وأفرادها. وقد وضع مفهوم الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الفرد في بيئته، وحدّد المسؤوليات والصلاحيات في كيفية التعاطي مع مجمل شؤون هده الجماعة.

أصبحت هذه المفاهيم عِلماً قائماً بحد ذاته يحكم نواحي الحياة كافة، وبالأخص عمل إدارات الدولة ومؤسساتها، فهناك المدير المسؤول، وصاحب القرار، وهناك المستشارون الذين يحضّرون هذا القرار وفق دراسات علمية ومنطقية، وهناك الموظفون المنفذون لهذا القرار الذين يقومون بدورهم بإفادة رؤسائهم عن مجريات التنفيذ ونتائجه، وينتظرون التوجيهات اللاحقة لمتابعة العمل.

هذه السلسلة الادارية يجب أن تكون متواصلة ومكتملة العناصر، توزع بينها الصلاحيات والمسؤوليات حسب القوانين والتعليمات المرعية الإجراء في الادارة أو المؤسسة التي تخدمها. وإدارة الجمارك واحدة من هذه الادارات التي تتمتع بسلسلة إدارية محكمة ومكتملة العناصر، على رأسها مدير عام صاحب القرار في كل شيء، يعاونه رئيس الديوان الذي يعتبر ظله في كل شاردة وواردة. ولدى رئيس الديوان فريق من المحامين يطلق عليهم إسم “محامي الإدارة”، وفي الإدارة مصالح ودوائر وموظفون لتنفيذ المهام الجمركية وفق توجيهات المدير العام وبناء لقراراته.

ريمون خوري المدير العام للجمارك بالإنابة حالياً، هو منذ ما قبل العام 2013 رئيسا للديوان في مديرية الجمارك إبان عهد شفيق مرعي وبدري ضاهر. وخوري حسب الصلاحيات والمسؤوليات الممنوحة له يتلقى المراسلات من المرؤوسين ومن خارج الادارة والتي تحتاج الى قرارات المدير العام، يدرسها، يمحِّصها مع مرؤوسيه ويناقش الضروري منها مع فريق المحامين لتحديد النواحي القانونية للقرارات والتعليمات والكتب التي تحضّر وترفع لتوقيع المدير العام.

ويبدو هذا واضحاً لكل متابعي ملف تحقيق المرفأ ممن اطلعوا على المراسلات التي تمت في هذا الصدد، بين المدير العام ومرؤوسيه ومع قضاء العجلة، فتأشيرة ريمون خوري موجودة على كل الكتب التي وجهت إلى قضاء العجلة، كما أن توقيعه موجود على كل المراسلات التي أرسلت الى المرؤوسين لأخذ العلم بهذه الكتب. وهذه التأشيرات أساسية في تعليمات الادارة ليتمكن المدير العام من التأكد أن رئيس ديوانه قد أشرف ووافق على تحضير هذا الكتاب، وهو مفوض بالتوقيع على إعلام المرؤوسين بهذه الكتب.

مسار التحقيق الذي اتُبع منذ البدء هو التدقيق في إجراءات السلسلة الادارية التي عالجت ملف الباخرة “روسوس” منذ وصولها إلى المرفأ مروراً بعملية إفراغها ووصولاً إلى كل الاجراءات والقرارات التي أخذها المديرون العامون الذين تعاقبوا في تلك الحقبة. وهنا نحن نتحدث عن مسار التحقيق الذي طال إدارة الجمارك تحديداً، ونرى أن التحقيق طال الموظفين المسؤولين عن التنفيذ في المرفأ والمدراء العامين المسؤولين عن اتخاذ القرارات لكن لم يتم الاستماع إلى من حضّر هذه القرارات ورفعها للتوقيع.

إذاً، فان أي تحقيق يجب أن يبنى على معايير موحّدة يتم قياسها على كل المعنيين بهذا التحقيق، ومعايير التحقيق في ملف المرفأ يبدو أنها تدور حول تحديد مسؤولية كل من اطلع على موضوع الباخرة “روسوس” والنيترات أو علم به أو عالجه. وهنا لا نتحدث عن المعايير التي تحكم كل المعنيين من موظفين وقضاة وأمنيين وسياسيين والتي يبدو أنها موضع خلاف، إنما نتحدث عن المعايير المطبقة في بيت الادارة الواحد أي إدارة الجمارك.

يبدو واضحاً حتى الآن أن المعيار الذي نتحدث عنه غير مكتمل، فريمون خوري خارج دائرة تطبيق هذه المعايير أسوة بزملائه، ومن خلال النظر إلى توازي المسؤوليات نجد أنه قد اطلع على المراسلات كافة وحضّر كل قرارات المدراء العامين، وقام بالتأشير عليها مما يعني أن مسؤوليته في اتخاذ هذا القرار توازي مسؤولية المدير العام الذي وافقه الرأي، فتأشيرته بالنسبة الى المدير العام تعني أن دراسة رئيس الديوان لهذا الكتاب مع فريقه القانوني من محامي الإدارة قد أقنعه وجاء وفق إرادته.

من ناحية أخرى، ريمون خوري وقّع المراسلات التي وُجهت الى المرؤوسين في المرفأ على مختلف مستوياتهم بخصوص الكتب التي كانت توجه لقضاء العجلة، وبالتالي فمسؤوليته عن كيفية المعالجة والتنفيذ توازي هذا الفريق من الموظفين الذين ينتظرون التوجيهات وطلبوها أكثر من مرة، بناء على تقرير تحذيري سبق لهم أن رفعوه بخطورة هذه المواد، وضرورة التخلص منها وفق إجراء قانوني ومعروف على مستويات الادارة كافة، من القيادة إلى القاعدة، وهو إعادة التصدير.

من هنا يبرز سؤال أساسي وجوهري في معرض كل هذا الحديث، لماذا تم تحييد ريمون خوري رجل الظل في إدارة الجمارك عن مجريات التحقيق لا بل وتم تكليفه إدارة هذه المديرية بالإنابة، وبالتالي لم تطبّق المعايير بحدّها الأدنى في بيت الادارة الواحد إذا سلمنا جدلاً أن تطبيق هذه المعايير على كل المعنيين في إدارات الدولة ومؤسساتها هو شبه مستحيل ومحض خلاف وطني؟.

وعليه، يجب على المحقق الإجابة عن هذا السؤال، وتصحيح أي خلل قد يكون تم السهو عنه!

شارك المقال