زيارة غالاغير: الاهتمام الدولي إلى ذروة جديدة

وليد شقير
وليد شقير

محطات الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني توالت الأسبوع الماضي وينتظر أن تستمر في قابل الأيام، نظراً إلى تدرج المواقف الخارجية التي تتناول أوضاعه وعلاقاته مع محيطه القريب والبعيد.

وإذا صحّت المقولة التي تعتبر أنك إذا أردت رصد جدية التحركات الدولية حيال لبنان، عليك أن تراقب ما موقف الفاتيكان وتصرفاته حيال البلد، فإن ما رافق زيارة أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير إلى بيروت واجتماعاته مع الرؤساء الثلاثة والقادة الروحيين وثلة من الشباب المنتمين إلى المجتمع المدني الرافضين لـ”السلطة الحاكمة”، كما سبق للبابا فرنسيس أن وصفها في أحد خطبه عن لبنان، يؤشر إلى ارتفاع درجة حرارة البحث في الأزمة اللبنانية على المستوى الدولي. فالقاعدة هي أن الفاتيكان يعمل بصمت في اتصالاته الديبلوماسية مع عواصم قرار الدول المعنية بوضع لبنان ويجيّش علاقاته من أجل قضية ما يعتبرها جوهرية بالنسبة إلى الوجود المسيحي، كما هي حال لبنان في الشرق الأوسط. وهذا يعني أن زيارة المسؤول الفاتيكاني تمت بعد أن بلغت اتصالات الكرسي الرسولي ذروة معينة نقلت تحرك أعلى سلطة كنسية في العالم إلى العلن.

ويتساءل مراقبون: هل هي صدفة أن تسبق زيارة المطران غالاغير إلى بيروت الورقة الكويتية المدعومة سعودياً وإماراتيا وأميركياً وفرنسياً والتي تقترح 12 بنداً لا تقتصر فقط على مقاربة الأزمة المزمنة بين لبنان ودول الخليج، والتي انفجرت في تشرين الأول الماضي، وأن يعقبها تحرك السفراء الغربيين وحتى الجانب الروسي لمتابعة مسائل من نوع الانتخابات النيابية بعد عزوف زعيم تيار “المستقبل” رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوضها وتياره، والخشية من الفراغ على الساحة السنّية، وإطلاق السفراء الغربيين مواقف ملفتة تتعلق بغياب العدالة في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الناشط والباحث السياسي المناهض لـ”حزب الله” لقمان سليم، ودفاعهم عن أنشطة جمعيات المجتمع المدني. ويضيف هؤلاء المراقبين في تعدادهم لقائمة محطات الاهتمام بتفاصيل الوضع اللبناني خلال الأيام الماضية، البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن أول من أمس والذي تناول بلغة حاسمة سلسلة من القضايا المعروفة: الترحيب بعودة الحكومة للاجتماع، إجراء انتخابات نيابية نزيهة في موعدها مع تمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من القيام بمهمتها، اعتماد “سريع” لموازنة 2022، وإبرام اتفاق “سريع” مع صندوق النقد الدولي، إصلاحات ملموسة، التحقيق في الحوادث الأربعة التي تعرضت لها قوات الـ”يونيفيل” في منطقة عملياتها جنوباً وضمان سلامة أفرادها وحرية حركتها وتقديم مرتكبي الحوادث للعدالة، التأكيد على التحقيق الشفاف في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2022، وأخيراً دعم قرارات مجلس الأمن إياها 1701، و1680، و1559 ( الواردة في الورقة الكويتية) و2591…

وصدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن يتم بالإجماع، مما يعني موافقة المندوبيْن الصيني والروسي عليه خصوصاً أن رئيس البعثة الروسية فاسيلي نبنزيا هو من أذاعه بصفته الرئيس الدوري للمجلس.

بالعودة إلى وقائع زيارة المطران غالاغير، فإن المواقف التي أطلقها تجعل المرء لا يخطئ في تصنيف دور الفاتيكان المحوري في حضّ الدول على المساعدة في معالجة الأزمة في لبنان. فهو أطلق مواقف واضحة في بعض جوانب تصريحاته “الديبلوماسية”، على الرغم من أن لغة الفاتيكان هي لغة الإيحاء وعدم الغرق في التفاصيل، ولربما لم تأخذ تلك التصريحات حقها في الإطار اللبناني نظراً إلى الانشغال السياسي والإعلامي بالسجال بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه القاضية غادة عون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبالضجة القائمة حول زيادة الرسوم في مشروع الموازنة، وإقفال اتحاد النقل البري الطرقات احتجاجاً على عدم تلبية مطالبه. لكن لا بد من تسجيل بعض النقاط المهمة فيها كالآتي:

– ضرورة ان يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من اجل السلام وليس من اجل مصالحهم الخاصة. ولتكن هذه الفرصة بمثابة نهاية للذين يستفيدون من معاناة الجميع. من غير المسموح ان تبقى نصف الحقيقة محبطة لآمال الشعب.

– “توقفوا عن استخدام لبنان والشرق الأوسط من أجل المصالح الخارجية. يجب أن يحظى الشعب اللبناني بفرصة لان يكون بأبنائه مهندسا لمستقبل أفضل على أرضه بعيدا من أي تدخل خارجي”.

– “التغيير آت الى لبنان ونحن نصلّي لكي يكون لخير هذا الوطن، وباسم قداسة البابا والكنيسة الكاثوليكية الجامعة سنقف دائما الى جانب لبنان” .

– رداً على سؤال اذا كان الفاتيكان يحشى زوال لبنان أجاب: “نعم نخشى الا يكون مستقبل هذا الوطن مضمونا”.

– “لبنان يستحق عناية استثنائية، لأن كل الشرق الأوسط يتطلع اليه كرسالة للمستقبل، من هنا وجوب الحفاظ على الهوية الوطنية لهذا البلد، الذي إذا ما تطورت الأوضاع فيه إيجابيا فإن الامر سينعكس على المنطقة”.

– أي اضعاف للحضور المسيحي من شأنه ان يدمر التوازن الداخلي وهوية لبنان.

– “اقتبس غالاغير كلاما للبابا فرسيس منذ عدة أيام، لمناسبة التهاني بحلول العام الجديد، قال فيه عن لبنان: “اعتقد أن الإصلاحات الضرورية إضافة الى دعم المجتمع الدولي سيساعدان لبنان على الاستمرار بهويته الخاصة، كمثال للتعايش السلمي”.

– “نحن هنا لنقوّي اللبنانيين ونقول لهم إننا معكم لمواجهة التحديات، وقرار نهوض لبنان هو قرار لبناني بحت يجب أن تتضافر الجهود بشأنه”.

– ربط إمكان لعب الكرسي الرسولي دور المسهل أو الوسيط بين اللاعبين السياسيين بتوفر دعوة جماعية من الفرقاء للفاتيكان للقيام بذلك.

ينتظر أن تتبلور تحركات دولية أخرى قريباً تجاه لبنان من قبل الخارجية الفرنسية، فضلاً عن أن الوسيط الأميركي آيموس هوكشتين سيزور قريباً بيروت حاملاً افكاراً تسووية حول المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل حول الحدود البحرية. والترقب هو سيد الموقف في هذا الصدد: هل سيعود تحالف الرئيس عون مع “حزب الله” إلى وضع شروط جديدة حول خط الحدود البحرية، كما سبق أن حصل لتأخير المفاوضات، رداً على ارتفاع حرارة الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني والضغط باتجاه الحلول لأزمته، أم سيتم تسهيل التفاوض للوصول إلى اتفاق مقبول؟

شارك المقال