بايدن وتكاليف الحرب مع روسيا

حسناء بو حرفوش

حذر الخبير والمحلل ماثيو بوروز من تصاعد التوتر على الجبهة الأميركية – الروسية، معتبرا أن الوقت حان لإعادة النظر في الاحتمالات كي لا يتكرر سيناريو الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتحديدا في سياق التداعيات طويلة المدى لعدم السعي إلى اتفاق مع روسيا.

وحسب التحليل الذي نشر على موقع “ناشيونال إنترست” (national interest)، “يجب على إدارة بايدن النظر في العواقب طويلة المدى على الولايات المتحدة وحلفائها قبل الاندفاع إلى مواجهة شاملة مع روسيا. وحذّر بعض المعلقين من تصعيد قد يصل إلى حد إشعال حرب عالمية ثالثة. ومع ذلك، لا بد من محاولة واشنطن تجنّب العواقب الاستراتيجية الأخرى للصراع مع روسيا. وحمل العقدان الماضيان مفاجآت مؤسفة، فقد وعد القادة السياسيون الأميركيون بجلب الديموقراطية إلى أفغانستان والعراق قبل التراجع المذل. وحتى في ظل الشعور بأن روسيا هي المحرض على الأزمة الحالية وحاجة موسكو إلى السيطرة، هناك نتائج يجب أن تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقلق بشأنها.

ولا يختلف الوضع في سياق الأزمة الأوكرانية الحالية، فالقضية حيوية للغاية في نظام دولي قد تترك فيه حتى القرارات الصغيرة والتعديلات عواقب وخيمة، يمكن اختصارها بثلاثة تحذيرات كبيرة:

أولا: مع احتمال نشوب حرب باردة جديدة بالفعل، قد تؤدي الأزمة الأوكرانية المتصاعدة إلى ترسيخ ظهور عالم متشعب. وعلى النقيض مما حصل بعد ضم روسيا الى شبه جزيرة القرم، لم تحتفظ بكين بالصمت، وأشارت بالفعل إلى دعمها “المخاوف الأمنية” لموسكو. ولا شك أن بوتين طلب مساعدة الصين لتقليل تأثير العقوبات الغربية، عندما ذهب إلى أولمبياد بكين. وبالتالي، إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين لمساعدتها روسيا في التحايل على العقوبات المالية الغربية، فقد تنفجر التوترات الصينية – الأميركية المتصاعدة بالفعل. وغني عن القول ان الصدمة الاقتصادية التي ستنجم عن الفصل بين أكبر اقتصادين في العالم ستخرج الانتعاش العالمي عن مساره وستضعف الصين وروسيا القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.

ثانيا: من المرجّح أن تسرّع العقوبات الأميركية والأوروبية خطط الصين لتطوير عملتها الرقمية، مما يساعد روسيا أيضا على تجنب العقوبات الأميركية الثانوية. وكانت روسيا قد طورت بديلا لنظام “سويفت”.

ثالثا: قد تتفاقم الانقسامات التي ظهرت بالفعل بين الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا الغربية إذا قامت موسكو بالانتقام من العقوبات الأوروبية بقطع إمدادات الغاز. وتشير التقارير الإعلامية بالفعل إلى تزايد قلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن مثل هذا الاحتمال. وللتحوّط، يحكى عن تواصل الولايات المتحدة مع قطر بينما يخطط الاتحاد الأوروبي أيضا للدخول في مفاوضات مع أذربيجان. ومع ذلك، يعتقد أن العثور على مصادر بديلة لن يكفي لتعويض خسارة النفط الروسي المستورد. وعلى الرغم من أن الشتاء الأوروبي لم يأت باردا كما كان متوقعا، قد تؤدي درجات الحرارة المنخفضة بسهولة إلى تفاقم معضلة أوروبا. ولا شك أن المواطنين في أوروبا سيلقون باللوم على الحكومات الأوروبية إذا حصل نقص في الإمدادات أو إذا خرجت أسعار الطاقة عن السيطرة. كما أن الاضطرابات طويلة المدى في الحياة اليومية للأوروبيين ستسبّب الاستياء، ومن المحتمل أن تدفع العديد من الحكومات الأوروبية الى الانفصال عن واشنطن والنأي بنفسها عن قضية أوكرانيا.

وعلى الرغم من صعوبة تخيل ذلك، قد يشكل حل قضية أوكرانيا بداية لتحسين كبير في العلاقات بين روسيا والغرب. وقد يساعد ذلك الرئيس جو بايدن على التراجع عن الضرر الذي لحق بصورته والناجم عن الانسحاب المتسرّع من أفغانستان، مما يعزز شعبيته المتدنية. وبالمثل، فإن الاتفاق الذي يمكن لروسيا أن تدعي بعض المكاسب منه أيضا قد يساعد على إقناع بوتين بالقدرة على التعامل مع الغرب ويجعله أقل ميلا الى تعميق العلاقات مع الصين. كما قد يؤدي الاتفاق المتبادل، الذي يعزز الحد من التسلح وتدابير بناء الثقة الأخرى، إلى تحسين وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن الرغبة في التفاوض حول اتفاقيات الحد من التسلح والحد من الصراع مع الصين.

وبالطبع، فإن صياغة تسوية سلمية أسهل بكثير بالقول مقارنة بفعلها. ويلمس بعض المحللين تقدما ما بشأن التدابير المتعلقة بتحقيق استقرار الوضع على طول خط التماس في دونباس، بما في ذلك عن طريق سحب الأسلحة الثقيلة وتقليل التوترات بين روسيا وأوكرانيا. أما بخصوص توسيع الناتو، فيمكن التوصل إلى عدد من الاتفاقات لإنشاء منطقة عازلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وقد لا يكفي ذلك لإرضاء التوقعات الروسية، لكن الثقة التي تنتج قد تساعد كلا الجانبين على التوصل إلى تفاهم بشأن الناتو. وفي حين أن “التخبّط” قد يبدو أقل خطورة بالنسبة الى الإدارة الأميركية على المدى القصير، سيؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق مع روسيا إلى شكل من أشكال التدخل العسكري الروسي، إضافة إلى الهجمات السيبرانية وقطع الطاقة واستخدام وكلاء متمردين لتمزيق أوكرانيا. وتريد إدارة بايدن تجنب التورط العسكري في أوكرانيا، لكن حتى في حالة العمليات الروسية المحدودة، سيجد بايدن نفسه تحت ضغط الكونغرس، فأوكرانيا في حرب بالوكالة بين الناتو وروسيا. وستتعرض إدارة بايدن لضغوط لاتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة خصصت سابقا لمعاقبة موسكو على الغزو الشامل. ومن المحتمل أن يتسبب ذلك بخلاف مع الحلفاء الأوروبيين الذين يعتمدون على الطاقة الروسية”.

شارك المقال