نقطة اللاعودة في فيينا؟

حسناء بو حرفوش

حذر مقال على موقع صحيفة “إيكونوميست” (Economist) الإلكتروني من أن الوقت ينفد لتفادي أزمة جديدة في الشرق الأوسط، وسط تساؤلات عن إمكانية إحياء الاتفاق النووي واحتواء البرنامج الإيراني، بعد ثماني جولات من المفاوضات في فيينا.

جولة حاسمة ومخاطر واضحة

وتشكل جولة هذا الأسبوع محطة حاسمة، فعلى الرغم من أن المفاوضين يبدون أقرب ما يكون الى تحقيق اختراق، هم كذلك أقرب ما يكون إلى الانهيار، مع الإشارة إلى تفاؤل المسؤولين الأميركيين بشكل ملحوظ بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق. ومما لا شك فيه أن مخاطر الانهيار واضحة أيضا، فقد زادت معارضة بعض الفرقاء الأميركيين حدة. وكثّف الحوثيون، وهم حلفاء إيران في اليمن، هجماتهم الصاروخية وكذلك بالمسيّرات. وهذا ما دفع الأميركيين الى نشر سفينة حربية أميركية وطائرات مقاتلة متقدمة، ليس بغية المساعدة على مستوى الحماية فحسب، ولكن لإرسال تحذير ضمني إلى إيران.

وعلى الرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة حدّت بشدة من برنامج إيران النووي وعززت عمليات التفتيش مقابل رفع العديد من العقوبات، إلا أنها سمحت لإيران باستئناف تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع بعد 15 عاما. كما لم تلزم إيران بإنهاء برنامجها للصواريخ الباليستية أو تورطها في صراعات إقليمية. ولذلك، وصف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الصفقة بأنها “أسوأ صفقة على الإطلاق”، وفرض العديد من العقوبات بموجب سياسة “الضغط الأقصى”.

وأتى رد الفعل الإيراني بتكثيف المساعي ضمن برنامجها النووي وتقليص الوقت اللازم لتحقيق الاختراق. ومن هنا الإصرار الأميركي على دخول المحادثات إلى “نهاية اللعبة”، لأن الصفقة ستفقد قيمتها ما لم يتم التوصل إلى اتفاق في القريب العاجل. وكلما طال أمد المحادثات، انتهى سريان القيود المفروضة على برنامج إيران، وفقدت خطة العمل الشاملة المشتركة قيمتها بالنسبة الى الإيرانيين أيضا. وقد يكون أي رفع للعقوبات الأميركية موقتا، بالنظر إلى أن ولاية الرئيس جو بايدن قد تنتهي عام 2025. ومن المحتمل أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض؛ وعلى أي حال، سيتعرض أي رئيس جمهوري لضغوط شديدة للتخلي عن الصفقة. كما رفض المفاوضون الأميركيون المطالب الإيرانية بـ “ضمان” عدم إعادة فرض العقوبات.

فهل ستكون الطمأنة الموقتة والمحدودة كافية؟ يرى المتفائلون فرصة نجاح بنسبة 75٪ نظرا الى التحول في المواقف الأميركية. وسيعطي الاتفاق الاقتصاد الإيراني دفعة مطلوبة. لكن المتشائمين يرون احتمالية عالية للفشل، معتقدين أن إيران تريد الضغط، وأنها على قناعة بأن أميركا لا تريد خوض الحرب. ويبقى خطر سوء التفاهم موجودا بشكل كبير نظرا إلى أن إيران ترفض التحدث مباشرة مع الديبلوماسيين الأميركيين. وبعد أن وعدت إدارة بايدن بصفقة “أطول وأقوى” من خطة العمل الشاملة المشتركة، يبدو أنها ستحصل في أحسن الأحوال على صفقة أقصر وأضعف. ويمكن تحميل الملامة في ذلك للانسحاب “الكارثي” لترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، تأمل إدارة بايدن، أن تعيد خطة العمل المشتركة الشاملة بعض الاستقرار، وقد تؤدي مفاوضات المتابعة إلى تحسين شروطها.

الاستعداد للانهيار

بالإضافة إلى ذلك، يستعد المسؤولون الغربيون للانهيار ويعكفون بهدوء على مناقشة الخطوات التالية لزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران. قد تلجأ إحدى البلدان الأوروبية، مثل بريطانيا على سبيل المثال، إلى أحكام آلية “سناب باك” (snapback) أي الارتداد السريع أو المفاجئ، كما في خطة العمل الشاملة المشتركة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة. لكن سيكون للآلية تأثير محدود وتخاطر بحدوث اختراق بين الغرب وروسيا والصين.

وحتى الآن، ساعدت روسيا والصين على دفع إيران نحو صفقة. في كانون الأول، على سبيل المثال، دفعت طهران للعودة إلى تعاونها المحدود مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتجنب عرض الأمر على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. مع الإشارة إلى أن علاقة كليهما مع إيران معقدة. فروسيا تزودها بالأسلحة والتكنولوجيا النووية المدنية. أما الصين فهي أكبر مشتر لنفطها. كلاهما يبدو حريصا على استخدام إيران كثقل موازن ضد النفوذ الأميركي. لكن لا يريد أي منهما أن تصبح إيران نووية. ولا يبدو أنهما تريدان أزمة جديدة في الخليج من شأنها أن تزيد من عدم الاستقرار الجيوسياسي.

وقد تؤثر العاصفة المتصاعدة في أوكرانيا في مثل هذه الحسابات. ويأمل بعض الديبلوماسيين أن تسرّع الأزمة الأوكرانية في التوصل إلى اتفاق، بحيث تسعى القوى الكبرى الى احتواء تنافسها. بينما يخشى آخرون من أن المواقف أصبحت بالفعل متشنجة. وأصدرت روسيا والصين الأسبوع الماضي إعلانا مشتركا تدينان فيه الولايات المتحدة وحلفاءها وتتهمانهم بتأجيج العداء والمواجهة حول العالم. ويمكن أن تصبح إيران عنصرا آخر من عناصر التنافس، وفي هذه الحالة، ستضاف أزمة جديدة في الشرق الأوسط إلى أزمة أوروبا والأزمة التي تلوح في الأفق في آسيا.

شارك المقال