السويداء تنتفض: عين تقاوم المخرز!

عبدالله ملاعب

تستمر محافظة السويداء السورية في تصدر المشهد الوطني على الرغم من التعتيم الاعلامي الذي يمارسه النظام ومؤسساته الاعلامية. ففي عصر مواقع التواصل الإجتماعي فقد النظام السوري القدرة على التعتيم بشأن ما يحصل على أرضه او ارتكاب المجازر من دون الاكتراث الى سبل تطويقها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، كما كان يمتاز حافظ الأسد. ففي الرابع من شباط 2022 انطلقت موجة جديدة من التظاهرات في مختلف قرى محافظة السويداء تحت شعار “تظاهرات الكرامة”. الاحتجاجات تطورت من التظاهر السلمي الى قطع طرق رئيسية تربط مركز المحافظة بالعاصمة دمشق وطرق أخرى فرعية. ولا يزال التصعيد مستمراً وسط سخط كبير لدى مختلف الفئات المجتمعية. فما تفاصيل هذه التظاهرات وما هي أبعادها؟.

الخميس الماضي أصدرت الحكومة السورية قراراً برفع الدعم عن مواد غذائية ومحروقات عن عدد من السوريين ليزداد المشهد المعيشي تعقيداً، إذ على سبيل المثال إرتفع سعر ربطة الخبز من مئتي ليرة الى ألف وخمسمئة ليرة سورية. هذا القرار كان شرارة الانتفاضة التي استطاع النظام تأخير إنطلاقتها عبر الوعود التي أعطيت للأهالي فور صدور قرار رفع الدعم، من خلال تعهدات يصفها أهالي السويداء بالكاذبة، وتطلب منهم عدم الاعتراض لأن الحكومة ستعدّل القرار الذي أتى حسب مراقبين بشوائب عديدة أبرزها إستناده إلى قاعدة بيانات خاطئة وتطبيقه على أُسر بأمسّ الحاجة الى الدعم. ففي الوقت الذي تقول فيه حكومة الأسد ان 15% من السكان فقط طالهم رفع الدعم، تظهر دراسات ميدانية لناشطين أن النسبة أعلى بكثير، إذ أن رفع الدعم طال أكثر من 600 ألف عائلة سورية في المحافظات كافة التي يسيطر عليها النظام.

أما في السويداء فثمة من يربط هذا القرار بالمواجهة غير المباشرة التي يتّبعها الأسد في تعامله مع المحافظة التي فيها أكثر من 50 ألف معتكف عن الخدمة الإلزامية، والتي رفض أهلها منذ بدء الأزمة السورية الدخول في سفك الدماء، فصار التوجه الى الأمن الذاتي مع اشتداد الحرب، لاسيما بعد غزوة “التنظيم الإسلامي” للسويداء في تموز 2018، والتي رأى فيها كثر جريمة جديدة للأسد بحق مواطنين رفضوا العبث بدماء أخوانهم وأخوتهم السوريين كرمى لعيون الدكتور الذي “باع ثروات البلاد ليبقى على كرسيه” كما قال أحد المشايخ الشباب المشاركين في تظاهرة الإثنين الماضي.

وفي الاطار، يقول ريان معروف وهو مسؤول تحريري في موقع “سويداء 24” لـ “لبنان الكبير”: “لطالما كانت القبضة الأمنية للدولة السورية على السويداء هشّة على الرغم من وجود قوات رسمية، لكن المجتمع في السويداء يدير شؤونه الأمنية بنفسه منذ العام 2011”. ويشير الى أن “النظام نجح في السنوات الماضية في بسط سطوته على المحافظات السورية كافة، حتى تلك التي كانت كلياً خارج سيطرته مثل قرى محافظة ريف دمشق التي دخلتها قوات الأسد في العام 2018، باستثناء السويداء التي يعتبر تواجد النظام فيها شكلياً وتدير شؤونها الأمنية بمفردها الى اليوم”.

حتى الساعة لم يرسل النظام السوري قوات ردع الى محافظة السويداء التي تدعو كل السوريين اليوم الى الإنتفاضة وتحمل تظاهراتها شعارات سياسية بارزة تحت قاعدة أن هذا النظام استنزف ثروات البلاد في سياسات فاشلة، ولن تشهد البلاد انفراجات اقتصادية إن لم يطرأ تغيير في المشهد السياسي. لذلك تطالب السويداء اليوم بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في العام 2015 والذي ينظم عملية الانتقال السلمي للسلطة. ويبرز شعار “لا شرقية ولا غربية بدنا سوريا دون تبعية” الذي حمله شبان ملتزمون دينياً في مشهد غير مألوف يؤكد رفض تواجد قوات احتلال روسية أو ايرانية أو غيرها. وفي الإطار، تأتي هذه التظاهرات على وقع ما نشرته صحف عربية أكدت أن موسكو وقعت إتفاقاً مع مينسك لوضع قوات بيلاروسية في سوريا من دون علم النظام السوري.

على الرغم من كل المحاولات العبثية التي وصلت الى درجة حماية عصابات الخطف وترويج المخدرات، يفشل النظام السوري في تأديب السويداء كما أراد فعله محافظ المدينة الجديد نمير مخلوف عند تسلمه منصبه في الأشهر القليلة الماضية، محاولاً فرض طوق أمني على المحافظة. فمجتمع السويداء يثور على واقعه وهذه المرة بتأييد من مرجعيات دينية وازنة كأحد مشايخ العقل الثلاثة الشيخ حكمت الهجري. والنظام الذي لم يعد قادراً على ضبط المتظاهرين عبر القول ان الواقع الاقتصادي الهش نتيجة الحصار الغربي على سوريا، يدرك أن إسكات أبناء السويداء بالعنف سيُنتج فتح جبهات مسلحة من الممكن أن تصل الى انقلاب يخسر النظام فيه ما بقي له من سلطة ونفوذ، لاسيما أن الشعارات المرفوعة وطنية بامتياز وتأتي من المجتمع السوري الدرزي الوطني الذي رفض تقسيم سوريا وقاوم النظام على طريقته على الرغم من سياسة الأسد الخاصة والمكشوفة في التعامل معه.

شارك المقال