كيف يستعد الكرملين للحرب؟

حسناء بو حرفوش

هل من سبب يدفع حقاً الى الاعتقاد بأن الكرملين يستعد للحرب؟ بحسب المحلل السياسي الأميركي المقيم في موسكو، مايكل وسيورا، “يظهر نوع من الإعداد للحرب من خلال التدريبات العسكرية المشتركة في غرب بيلاروسيا وجنوبها في 11 شباط، مع الوصول المرتقب الى نحو 30 ألف جندي روسي وبيلاروسي.

ووفقاً للسيناريو، سيقسم الجنود إلى ائتلافات “شمالية” و”غربية” لتنفيذ عمليات كجزء من محاكاة صراع وغزو لجمهورية سعياً الى زعزعة استقرارها وتغيير قيادتها السياسية. وعلى الرغم من قشرة الخيال في هذا السيناريو، تتضح الفكرة الرئيسية لأسطورة التمرين بشكل شفاف تماماً، بحيث تتعدد الأسباب للشك بأن التدريبات العسكرية هي تدريب للهجوم على أوكرانيا. ويجادل بعض المحللين بأن الهجوم الموضوع يؤدي إلى استيلاء روسيا على الأراضي الأوكرانية الواقعة شرق نهر دنيبر الذي يرسم خط التقسيم الجغرافي الطبيعي.

وعلى الرغم من أن معظم المنافذ الإعلامية المدعومة من الكرملين هدأت بشكل ملحوظ بعد شن حملة دعائية لمدة ثلاثة أسابيع تزعم أن الحكومة في كييف كانت تستعد لشن هجوم يهدف الى استعادة السيطرة على المنطقتين الانفصاليتين المدعومتين من الكرملين في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، فإن معظم العتاد العسكري الفعلي الذي كان يتحرك في الأسابيع الأولى من الربيع ظل متمركزاً بالقرب من الحدود الروسية مع أوكرانيا.

وعادت حمى الحرب الى الارتفاع مرة أخرى في أوائل تشرين الثاني، ومع تقدم المزيد من القطارات المحملة بالدبابات باتجاه الغرب، ظهرت أسئلة حادة حول النوايا الكامنة وراء هذا التعزيز العسكري الروسي المستمر. وتنفس المراقبون المتفائلون في الغرب الصعداء في منتصف كانون الأول عندما نشرت وزارة الخارجية في موسكو محتويات مسودتي معاهدتين تحددان المخاوف الأمنية لروسيا. وفي الأسابيع التي تلت، تركزت الأحاديث في العواصم الغربية حول أي مجموعة من التنازلات الديبلوماسية قد تكون كافية لإنهاء الأزمة سلمياً.

واحتوت مسودة المعاهدات التي كانت روسيا تقدمها على مطالب عملية بالكامل ومتطرفة بشكل علني. وفي الجانب المتطرف، نصت البنود على أن حلف الناتو يتراجع عن وضع قوته إلى حدود العام 1997 وعلى تخلي جميع أعضائه عن أي تعاون مستقبلي مع أوكرانيا. ومع ذلك، من الناحية العملية، كانت روسيا تقترح إجراء محادثات لإعادة تأسيس اتفاقية مماثلة لمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة من جانب واحد في العام 2019.

وعلى الرغم من استمرار الاتصالات، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فعلياً أن المفاوضات ميتة في 14 كانون الثاني بإعلانه أن الجانب الروسي لا يزال يتوقع الحصول على “ضمانات ملزمة قانوناً” لجميع مطالبه المعلنة سابقاً، وهو تأكيد غير رسمي على أن مشاريع المعاهدات غير واقعية، وبالتالي كان شهر كانون الأول إنذاراً نهائياً. وبالمثل، فشلت الإجابات المكتوبة التي تم إعدادها في واشنطن وتسليمها إلى وزارة الخارجية في موسكو في 26 كانون الثاني، في تهدئة مخاوف روسيا “بشأن زيادة التوترات السياسية العسكرية في المنطقة المجاورة مباشرة لحدودها الغربية”. وواصلت روسيا، خلال هذه المسرحية الديبلوماسية، تحريك القوات والمعدات نحو حدودها الجنوبية الغربية، في حين أطلقت الدعاية المحلية الكثير من الضجيج حول استعداد المتطرفين الأوكرانيين لشن “استفزاز” في دونباس.

وعلى مدى الأشهر العشرة الماضية، حاول الكرملين أن يبرر، على الأقل لدائرته المحلية، إمكان حدوث صدام عسكري مع تلك القوى الأجنبية المعادية التي يُزعم أنها تسيطر على القادة في كييف. وعرض القادة الغربيون مراراً وتكراراً على روسيا فرصاً للتهدئة. ورد الكرملين بنقل الإمدادات والقوات الإضافية باتجاه الحدود الأوكرانية. ولا شك في أن بدء الحرب يتطلب قدراً هائلاً من الإعداد اللوجستي وإعادة تخصيص الموارد.

ماذا عن الخطوة الأخيرة؟

هل سيصدر فلاديمير بوتين حقاً الأمر بالهجوم بعد ضخ الكثير من موارد الدولة لتجميع قوة غزو وادعاء سبب مقبول للحرب؟ لا يصب ذلك في مصلحة الدولة الروسية لأن العملية العسكرية ستؤدي إلى نتائج تتعارض مع الترويج للأولويات الجيوسياسية المعلنة لروسيا. وقد يؤدي الغزو الى عقوبات مالية غربية مدمرة وتدفق قوات الناتو إلى أوروبا الشرقية، وربما يلهم الآلاف من المواطنين الأوكرانيين لشن حرب عصابات ضد أي قوات محتلة. ويوفر هذا السيناريو سبباً للتفاؤل بشأن نهاية سلمية للأزمة الحالية. وعلى الرغم من أن أي تفاقم في العزلة الديبلوماسية والاقتصادية الحالية لروسيا سيترك تأثيراً سلبياً مباشراً على الرفاهية المادية لمعظم الأفراد الروس، فإن مثل هذا الموقف قد يتناسب مع المصالح الشخصية للنخبة الحاكمة، كما يشير بعض المحللين السياسيين. وستوفر العواقب الوخيمة للحرب والعقوبات لقادة روسيا بيئة مثالية للقضاء على جميع الجيوب المتبقية من الديموقراطية الناطقة باللغة الروسية، سواء داخل روسيا نفسها أو في الخارج القريب منها. هذا وتعني السيطرة على وسائل الإعلام المحلية، إضافة إلى ولاء الأجهزة الأمنية، قطع الطريق أمام أي انتفاضة شعبية محلية.

وهذا لا يجعل الحرب حتمية ويعني أن لا أحد قادر على التأثير على ميزان العوامل المتنافسة على الأولويات لدى الزعيم الروسي. ويمكن القول بقدر معقول من اليقين ان روسيا جمعت على مدى شهور، قوة غزو قادرة على القضاء على الجيش التقليدي لأوكرانيا وإطاحة الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في كييف. وفي بعض الأحيان، يبقى أفضل تفسير لما يفعله فلاديمير بوتين أنه يستعد فعلاً لغزو أوكرانيا”.

شارك المقال