تأثير الصوت السنّي في البرلمان

محمد شمس الدين

يحتل السنّة في لبنان المركز الأول بين المذاهب، حسب عدد الناخبين، يليهم الشيعة بفارق قريب، ثم الموارنة، ومن بعدهم باقي المذاهب بفارق بعيد جدا، ولذلك فإن الصوت السنّي له تأثير كبير في الانتخابات التشريعية في لبنان. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أشار في حديث سابق، الى أن الصوت السنّي يؤثر بحوالي 80% من المجلس النيابي، واليوم مع مقاطعة ممثل السنّة الأول للانتخابات، تيار “المستقبل”، كيف ستتأثر خريطة المجلس النيابي؟.

بيروت الثانية

دائرة بيروت الثانية وفق لوائح شطب العام 2018، لديها 216752 صوتا سنيا، اقترع نصفهم تقريبا في هذه الدائرة، وأكثر من نصف المقترعين أعطوا أصواتهم لتيار “المستقبل”، الذي تعتبر العاصمة أحد معاقله الكبرى، وقد حصدت لائحته بالحلف مع الرئيس تمام سلام والحزب “التقدمي الاشتراكي” 62970 صوتا، غالبيتها للتيار بـ49441 صوتا، والرئيس سلام 9599، و”التقدمي” 902. وبما أن “المستقبل” والرئيس سلام أعلنا مقاطعة الانتخابات، من دون حلف قوي سيخسر “التقدمي” مقعده في الدائرة، وسيتغير الحاصل الانتخابي تماما إذا ما قاطعت غالبية جمهور “المستقبل” وسلام الانتخابات كليا، بحيث سينخفض الحاصل إلى حدود الـ7 آلاف.

وإذا افترضنا أن التحالفات مشابهة لعام ٢٠١٨ بغياب السنّة، فسيكون أول المستفيدين هو الثنائي الشيعي، الذي قد يرشح في بيروت لائحة مكتملة هذه المرة وينافس على كل المقاعد، مما قد يكسبه حوالي 7 منها. وثاني المستفيدين هو فؤاد مخزومي الذي سيكسب مقعدا إضافة إلى مقعده، فيما المستفيدان الآخران سيكونان “الجماعة الإسلامية” والمجتمع المدني ويمكن أن يكسب كل منهما مقعدا.

بيروت الأولى

الصوت السنّي في هذه الدائرة يشكّل حاصلا انتخابيا وحده، ويمكنه أن يكون بيضة القبان بين القوى المختلفة فيها. وفي الانتخابات الماضية، قسّم تيار “المستقبل” أًصواته بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. وإذا شابهت الانتخابات المقبلة انتخابات 2018 من حيث النسب والتحالفات، فإن الصوت المستقبلي سيلعب دورا هاما في هذه الدائرة. فاذا قاطع تماما، قد يتسبب بخسارة نائب لـ”القوات”، يكسبه المجتمع المدني، أما إذا قرر السنّة اختيار فريق ما، فيكسب هذا الفريق نائبا إضافيا، إن كان “القوات”، أو “التيار الحر” أو حتى المجتمع المدني.

الجنوب الأولى

يشكل الناخبون السنّة حوالي نصف عدد المقترعين في دائرة صيدا جزين، وفقا لانتخابات 2018، وهم بذلك يملكون القرار في تحديد الفائزين فيها. وقد خاض تيار “المستقبل” الانتخابات الماضية فيها منفردا، وحصد حوالي نصف الأصوات السنّية في الدائرة، بمعركة كان هدفها مقعدا واحدا فقط، وإن بقيت صورة التحالفات في الانتخابات المقبلة مشابهة لانتخابات 2018 فيما غاب تيار “المستقبل”، فإن الصوت السنّي سيكون له الدور البارز في تحديد الفائزين في هذه الدائرة، فأي شخصية يختارها “المستقبل” ستفوز حتما بمقعد، لذلك سيحاول “التيار الحر” إما تحييد الصوت المستقبلي أو كسبه، للمحافظة على مقعديه في جزين، بينما ستسعى “القوات” إلى كسب الصوت السنّي فيها لتخرق بمقعد جزيني، بينما قد يفوز إما عبد الرحمن البزري أو “الجماعة الإسلامية” بالمقعد الصيداوي، وذلك حسب تحالفاتهما.

البقاع الأولى

الأصوات السنّية هي حوالي ثلث عدد الأصوات في دائرة عروس البقاع زحلة، وتشكل بذلك حاصلا ونيفا. في الانتخابات الماضية تحالف “المستقبل” مع “التيار الحر” وأكسبه 15022 صوتا، الأمر الذي جعله يخسر مقعدا، ذهب إلى التيار. وإن بقيت الخريطة الانتخابية كما هي في الانتخابات المقبلة، فإن الصوت المستقبلي له الدور الأبرز، لأنه بالمقاطعة يخسر “التيار الحر” مقعدا على الأكيد، ويكون المقعد الثاني في خطر، والرابح يكون إما “الكتلة الشعبية” أو نقولا فتوش. أما في حال قرر “المستقبل” اختيار أي فريق في الدائرة، فمن المؤكد سيخسر “التيار الحر” مقعديه، ويكون الفوز من نصيب من اختارته الأصوات المستقبلية.

البقاع الثانية

الصوت الأكبر في البقاع الغربي هو الصوت السنّي، حيث يشكل أكثر من نصف المقترعين في الدائرة. وفي الانتخابات الماضية، انقسمت الأصوات السنّية بغالبيتها بين تيار “المستقبل” وحزب “الاتحاد”، مع تقدم لـ”المستقبل” بحوالي 5 آلاف صوت، وكان الأخير قد تحالف مع “القوات” والحزب “التقدمي”، منافسا تحالف حركة “أمل” – حزب “الاتحاد” – “التيار الحر” وإيلي الفرزلي، فانقسمت المقاعد بالنصف تماما. وإذا لم يتغير المشهد الانتخابي في الدائرة عن الانتخابات الماضية، فإن مقاطعة “المستقبل” للانتخابات، تجعل المتضرر الأول منها تحالف “القوات” و”التقدمي”، ومن المؤكد خسارة مقعد في هذه الحالة، وقد يكون المقعد الثاني مهددا. أما إذا قرر جمهور “المستقبل” اختيار شخصية ما، فهو يمتلك حاصلا وحده، وإذا أعطى الأصوات لحلفائه فستكون النتيجة مشابهة للانتخابات الماضية، وفي حال قرر دعم شخصية مستقلة، فإن الخسارة يمكن أن تقع على أي من التحالفين المتنافسين.

البقاع الثالثة

يشكل الشيعة الصوت الأكبر في بعلبك – الهرمل، يليهم السنّة بفارق حوالي 120 ألف صوت، لكن يملك السنة ما يقارب الحاصلين في هذه الدائرة. وفي انتخابات 2018، تحالف “المستقبل” مع “القوات”، ليفوز كل منهما بمقعد، وإذا بقيت خريطة التحالفات كما هي في الانتخابات المقبلة، فلن تتغير النتيجة، وفي حال اقترع المستقبليون لأي كان، أما إذا قاطعوا، فقد يُهدّد مقعد “القوات”، التي ستحتاج إلى حليف في الدائرة يعوضها عن الصوت المستقبلي، وعلى الأرجح قد يكون هذا الأمر لمصلحة الثنائي الشيعي، ولكن قد يُفيد المجتمع المدني أيضا.

جبل لبنان الرابعة

ثالث قوة في الشوف وعاليه هي الصوت السنّي، وفي انتخابات 2018، اقترع 35027 سنيا، وذهب 23926 صوتا إلى تحالف “المستقبل”، “الاشتراكي” و”القوات”، بينما توزعت الأصوات الباقية بين تحالف “التيار الحر” و”الحزب الديموقراطي”، وحزب “التوحيد العربي”، وبضعة أصوات للمستقلين. وإذا كانت التحالفات شبيهة بانتخابات 2018، فإن الصوت المستقبلي سيكون له دور كبير في تحديد الفائزين في حال قرر التصويت لفريق ما، أما في حال قاطع، فإن أول الرابحين سيكون حزب “التوحيد”، الذي يستطيع الفوز بمقعد بسبب تدني قيمة الحاصل، وكذلك قد يحقق المجتمع المدني خرقا في هذه الدائرة. وسيكون الخاسرون تحالف “الاشتراكي” و”القوات”، وتحالف “التيار الحر” و”الديموقراطي”، إذ قد يخسر أحدهما مقعدين، أو كل منهما مقعدا.

دوائر الشمال الثلاث: الخريطة ستتغير بالكامل

يشكل الناخبون السنّة 68% من مجمل الناخبين في دائرة عكار، ويحظى تيار “المستقبل” بدعم أكثر من نصفهم. وفي الانتخابات الماضية تحالف التيار مع “القوات”، مقدما لها مقعدا لا تستطيع الحصول عليه وحدها، وفي حال لم تتغير التحالفات في الانتخابات المقبلة، فإن الصوت المستقبلي هو الذي يملك التأثير الأكبر إذ يملك ما يقرب الأربعة حواصل وحده، وهو إن قاطع الانتخابات فستخسر حتما “القوات”، وسيستفيد محمد يحيى، وتحالف “المردة” وبعض القوى العكارية، وأيضا قد يخرق مستقلون. أما في حال قرر “المستقبل” اختيار شخصيات لدعمها، فهو الآمر الناهي في هذه الدائرة، ومن يدعمه يفوز.

دائرة الشمال الثالثة، عاصمة السنّة الأولى، القرار فيها للسنّة الذين يتربعون على العرش الأول بين الطوائف بفارق كبير. تتوزع الأصوات السنّية فيها بين “المستقبل” و”تيار العزم” بفارق كبير عن باقي القوى من فيصل كرامي، جهاد الصمد، أشرف ريفي وجمعية “المشاريع”. ولا يمكن تصور مقاطعة شاملة لـ”المستقبل” في هذه الدائرة ولكن في حال حصلت، وكانت التحالفات هي عينها كما العام 2018، فستتوزع المقاعد المستقبلية بين تياري “العزم” و”الكرامة”، مع أفضلية للأول، وقد يتمكن اللواء ريفي من الفوز بمقعده في حال انخفض الحاصل إلى ما دون الـ9 آلاف، وهو أمر مستبعد نوعا ما. أما في حال قرر “المستقبل” اختيار بعض الشخصيات، فلا يمكن التنبؤ بالمشهد قبل اتضاح الصورة.

قد يطغى الصوت الماروني في دائرة الشمال الثالثة بفارق كبير عن بقية الأطياف، الا أن السنّة يملكون حاصلا في هذه الدائرة وفقا لنتائج انتخابات 2018، ولكنهم يوزعون أصواتهم بين القوى في الدائرة. وفي الانتخابات الماضية تحالف “المستقبل” مع “التيار الحر”، مما أفاد الأخير بأكثر من 3 اآلاف صوت، لكنه ارتد سلبا على “المستقبل” إذ خسر المرشح المدعوم من قبله في الكورة. وبما أن التحالفات في هذه الدائرة من المؤكد أنها ستختلف عن سابقها، فإن الصوت المستقبلي سيكون له تأثير كبير، ففي حال قرر المقاطعة أو دعم أي فريق غير “التيار الحر”، يخسر التيار مرشحا بالتأكيد. وبما أن هناك أعدادا كبيرة من المغتربين الذين يبدو أنهم من خصوم التيار تسجلوا للانتخاب في البترون قد يكون المقعد المهدّد هو مقعد رئيس التيار جبران باسيل. أما في حال قرر “المستقبل” دعم أي من القوى فهو يربحها مقعدا، وقد يكون أقل القلقين من الصوت المستقبلي هو تيار “المردة” الذي حافظ على العلاقة مع الرئيس سعد الحريري خصوصا وتيار “المستقبل” عموما.

في الدوائر الأخرى المتبقية مثل كسروان جبيل، المتن الشمالي، ودائرتي الجنوب الثانية والثالثة، وبعبدا، فان الصوت السنّي عموما والمستقبلي خصوصا لن يؤثر فيها إلا في حال انخفضت نسبة الاقتراع بشكل كبير، إذ يمكنه عندها التأثير في النتيجة عبر تحالفات معينة.

إذا، على حسابات 2018، الصوت السنّي عموما يؤثر بأكثر من 100 نائب في البرلمان اللبناني، والممثل الأول للسنّة، تيار “المستقبل”، يؤثر وحده بحوالي ثلثي البرلمان، وسيكون لغيابه بالتأكيد تأثيرات وانعكاسات كبيرة.

شارك المقال