رحل رفيق لبنان لأجلنا… فهل نستحق؟

راما الجراح

“قولنا والعمل منبتٌ للرجال”. من الصعب الدخول إلى عالم رفيق الحريري والخروج منه بخلاصة عامة أو محددة عن سر هذا الرجل الكبير. استثنائي، بالحجر أقام وطناً من تحت الركام، وبالقلم بنى أجيالاً مثقفة على مدى ٢٠ عاماً. بعصاميته اعتُبر من كبار رجال الأعمال في العالم، وبحنكته وجهده الشخصي أصبح أحد أغنياء العالم. لم يرث المال ولا السلطة كما معظم سياسيي لبنان، حتى بات معروفاً برجل حجمه وطن بكامله.

منذ سبعة عشر عاماً قرروا إسقاط ورقة لبنان باغتيال مشروع كان يمثل أحلام اللبنانيين للوصول إلى بلد حر ومستقل، يطغى عليه العيش المشترك، بعيداً كل البُعد عن النزعات الطائفية والمذهبية. استشهاده كان ضرباً للطائف بهدف زعزعة الاستقرار وهذا ما حصل، فمنذ ١٤ شباط ٢٠٠٥ حتى اليوم تضرب لبنان موجات محمّلة بالأزمات على الصُعد كافة ارتفعت حدتها قبل أكثر من عامين، وتُعد الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية، أدت بدورها إلى إنهيار مالي ضخم لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

رفيق الحريري، الرجل الذي غيّر وجه البلاد في حياته وأكثر في مماته، لم يكن يحلم بالخلاص الفردي فحسب بل كان يفكر بهمّ الجميع. سارع إلى أعمال الخير والتنمية، وأنشأ مؤسسة الحريري التي وفرت فرص التعليم لأكثر من ٣٣ ألف طالب من مختلف الطوائف والمناطق، إضافة إلى ٨٣٥ من حملة الدكتوراه، وآلاف الأطباء والمحامين، عدا عن انشائه المدارس والمعاهد الأكاديمية على نطاق لبنان. وقاد الرجل أكبر عملية إعمار في تاريخنا وقام بتحدي الاعمار والبناء، وتقف بيروت شاهدة على قيامة وطن من تحت الركام في زمنه، وقد باتت اليوم شبيهة بمدينة الأشباح، وكثيرون يتساءلون ماذا لو كان الرئيس الشهيد على قيد الحياة بإيمانه بالوطن وبالدولة وباتفاق الطائف والدستور، وشبكة علاقاته العربية والدولية، واعتداله وانفتاحه على الجميع ونبذه للتطرّف، هل كنا وصلنا إلى الحضيض؟

إغتياله كان نقطة فارقة بالنسبة الى لبنان واللبنانيين، وهذا ما أكده المواطنون بإجماع آرائهم عند سؤالنا لهم عن الفرق بين لبنان رفيق الحريري ولبنان اليوم: “وجوده على الساحة اللبنانية من الباب الاقتصادي كان ليفتح نافذة أمل لنا للتخلص من كل الأعباء التي حملتنا اياها السلطة الفاسدة، وكان ليضع كل إمكاناته للوصول إلى حل جذري يرضي اللبنانيين. ومن الباب السياسي علاقاته المتينة بكل دول العالم كانت ستخلصنا من كل هرطقات حزب الله والتي تعد المسبب الأول لعدم استقرار البلاد، ولهذا السبب اغتاله والدليل على ذلك أنه منذ الحادثة والفوضى لا تزال تأخذ حيزاً واسعاً في المشهد الداخلي اللبناني والعربي”.

الرجل الذي حقق أشياء كثيرة من أجل حرية لبنان وسيادته واستقلاله خُلِّد في ذهن كل لبناني وقلبه. الرجل الذي حاول تمكين لبنان من القيام بقفزة نوعية على مختلف الأصعدة ليُنافس أكبر دول العالم وأقواها بالازدهار والعمران، لاسيما أنه في عهده ارتفعت قيمة العملة اللبنانية ١٥%، وخفض الضرائب على الدخل إلى ١٠% لتحسين الاقتصاد، وعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق اللبنانية، وارتفعت نسبة النمو إلى ٨%، وانخفض التضخم من ١٣١% إلى ٢٩%، واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية، ولكن في المقابل دفع دمه وقدم أغلى تضحية، فهل نحن فعلاً شعب يستحق كل هذه التضحيات؟

شارك المقال