شهيب لـ”لبنان الكبير”: كمال جنبلاط ورفيق الحريري كرّسا عروبة لبنان

عبدالله ملاعب

منذ العام 2010، آثر وليد جنبلاط الصمت في الرابع عشر من شباط. يضع وردته على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري مستذكرا حقبة نضالية محفورة في الذاكرة اللبنانية، ومكتوبة في التاريخ المعاصر لهذا البلد الذي خرج من حقبة ودخل في أخرى على وقع زلزال 2005 وتبعاته التي لا تزال مسيطرة على المشهد السياسي الى اليوم.

لم يغرِّد جنبلاط في الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد رفيقه الحريري، ولم يلق كلمة أو يشارك في مهرجان رسمي لقوى الرابع عشر من آذار، أو أخر شعبي لتيار “المستقبل” كالذي نُظم مثلاً في العام 2019. ولم يُجب السيدة التي سألته “لماذا تركت الحريري؟”، لأن مشاركته تُجيب عن ذلك، وكل ما فعله لثني الرئيس سعد الحريري عن تعليق عمله السياسي كان كفيلاً بإظهار أنه لم يترك حليفه بل حاول حتى اللحظات الأخيرة قبل كلمة “بيت الوسط”، إقناعه بعدم ترك الساحة وإستكمال العمل السياسي ضمن الأطر الممكنة.

الأكيد أن المشهد اليوم مختلف جداً عن كل سابقاته، فالفراغ الذي تبع اعتكاف سعد الحريري وتياره لا يزال يسيطر على لبنان ويطرح أسئلة عدة عشية إنتخابات نيابية مرتقبة في خضم تشرذم السياديين في هذا البلد، ودخول حلم 14 آذار في مزاد سياسي علني يشتري منه اليوم من كانوا في ثورة الأرز مُتَّكئين في المقلب الأخر.

الصمت هذا العام تشاركه الحريري مع جنبلاط، على الرغم من الحديث الخاطف الذي دار بين جنبلاط وعدد من الصحافيين على بعد أمتار قليلة جداً من ضريح الرئيس الشهيد، وكان مقتضباً جداً ومفاده “الصمود والصلاة” في بيروت وفي المختارة. مشاركة لافتة لجنبلاط في ذكرى هذا العام التي أتت أكثر ألماً. كل فرد من العائلة الجنبلاطية وضع وردة على الضريح. النائب تيمور جنبلاط زار الضريح مع كتلته، ووليد جنبلاط أتى مع زوجته نورا التي تعرفها جيداً ساحات 14 آذار، وكلاً من أصلان وداليا ليؤكدوا أن للعلاقة مستويين الأول سياسي والثاني عائلي.

وفي السياق، يقول عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب أكرم شهيب لـ”لبنان الكبير”: “مشاركة الحزب التقدمي في ذكرى استشهاد الرئيس الحريري عبر الوفدين تؤكد عمق العلاقة التي تربطنا بهذا النهج”. ويضيف: “من خطط ونفذ عملية الإغتيال كان يدرك جيداً مشروعه المرتبط ببناء الدولة وتحقيق الإعمار وبحلمه أن يكون لبنان وطناً للجميع”.

ويؤكد أن “لرفيق الحريري موقعاً وثقلاً وأثراً على المستويين الداخلي والخارجي، ومن قرر إنهاء حياته أراد إنهاء لبنان، جامعة الشرق، ومستشفى العرب، ومركز الاستثمارات”.

ويتابع: “صحيح أن الإغتيال حصل منذ سبعة عشر عاماً إلا أنه كان في سياق تدمير مشروع الوطن وتحويل لبنان الى دشمةٍ لإيران، فهذا ما أرادوه وما يؤكد إفشال خطط ومشاريع ترميم ما بناه رفيق الحريري فكانت النتيجة انهياراً تاماً للبنى التحتية والاتصالات”.

وعن جعل لبنان دشمة لإيران، يشير شهيب الى أن “هذا المسار بدأ من تفاهم مار مخايل في شباط 2006 حين جرى الاتفاق على تسليم رئاسة الجمهورية لمن سيُسَلَّم الدولة بعد ذلك إلى فريق سياسي واحد”.

ويتحدث عن حلمين مختلفين: “الأول، إنتفاضة الإستقلال عام 2005 التي وقفت في وجه إستمرار خطف البلد من قبل النظام الأمني السوري – اللبناني واستمرت على الرغم من سلسلة الاغتيالات التي لم تستطع الوقوف في وجه هذا الحلم”.

ويقول شهيب: “بين كمال جنبلاط ورفيق الحريري رؤية سياسية مشتركة قوامها الإنسان والوطن وعروبة لبنان إنطلاقاً من المفاهيم السياسية للبرنامج المرحلي للحركة الوطنية الذي أعلنه كمال جنبلاط في العام 1975”. ويُبين أوجه الشبه بين كمال جنبلاط ورفيق الحريري بعيداً من النظرتين المختلفتين للإقتصاد “ففي المنحى السياسي تأتي مساعي الرجلين لتكريس عروبة لبنان التي أكدها كمال جنبلاط، الذي عرف أية مشاريع عربية يدعم وأية مشاريع يقف في وجهها رافضاً الدخول في سجنها، ورفيق الحريري الذي جعل من بيروت عاصمة كل العرب ومدينتهم الصادقة مع نفسها والحرة، قبل أن تصبح منكوبة كما هي اليوم”.

ويلفت الى أن “الرجلين أرادا تحرير الإنسان – القضية التي يرتكز عليها فكر الحزب التقدمي الاشتراكي وتتمحور حولها أبرز إنجازات رفيق الحريري الذي عَلَّم الجميع من دون إستثناء ليُطبق رسالة كمال جنبلاط – والإستثمار في زيادة معرفة الانسان هو أرقى أنواع الاستثمارات. ومن كل ما تم ذكره تأتي عبارة: دخلوا على دماء كمال جنبلاط وخرجوا على دماء رفيق الحريري”.

أما على المقلب الآخر، فيتحدث شهيب عن “الحلم الثاني الذي خطا خطوة كبيرة نحو التحقيق في إتفاق مار مخايل، ليصبح بعد ذلك واقعاً وندخل في جهنم. وفي السياق، يتشارك التقدمي مع سعد الحريري الرؤية التي دفعت الأخير الى الإستياء والاعتكاف وسط تفاقم الأزمات المعيشية وخطف الدولة، لكن المختارة التي ستخوض الإنتخابات النبابية لم تيأس بل ترى فيها باباً للبدء بتكوين سلطة سياسية جديدة وطرح وتنفيذ قوانين عادلة تبدأ من قانون إنتخاب جديد يحقق تمثيلاً عادلاً للبنانيين”.

ويوضح شهيب أن “مواقف التقدمي تنبثق من قضية مفادها أن لا إصلاح من دون سيادة، لذلك سنواجه في الانتخابات النبابية الطرح المُتَحَجِّر المرتبط بمصالح خارجية تابعة لمشروع إقليمي لا يحترم كيان لبنان بل يرانا ضمن ساحة مفتوحة ممتدة من هنا الى إيران مروراً بالعراق”.

ختاماً، إن معركة “التقدمي” اليوم مرتبطة بشكل لبنان الذي يريده اللبنانيون وهي بعمقها قائمة على الحريات وكرامة الإنسان الذي أراد كمال جنبلاط إعلاء شأنه فقُتل، وأتى رفيق الحريري لتمكينه وتطويره فقُتل “ليُكتب علينا أن نقرأ الفاتحة في المختارة وفي بيروت في ساحة الشهداء كل عام، ونصمد لأننا لسنا وحدنا ولأن لا أحد أكبر من بلده”.

شارك المقال