البحرين ولبنان… وايران

علي نون
علي نون

لا يفترض أن يفاجئ أحداً، أداء حزب إيران في لبنان، لا اللبنانيين ولا غيرهم. بل الواضح الذي يزداد وضوحاً مع تعاقب الايام ومآسيها على وطن الأرز، هو أن ذلك الحزب يستمر في العمل وفق أجندته الخاصة المربوطة بحبل الوريد مع مرجعيته الايرانية.

ما يفعله مع مملكة البحرين لجهة رعاية وحماية ما يسمى المعارضة البحرينية، سبق أن فعله مع ما يسمى المعارضة في المملكة العربية السعودية تحديداً، وهو في ذلك يحاول التأكيد مجدداً أنه لا يهتم من قريب أو بعيد بتداعيات أدائه على غيره… على عموم اللبنانيين الذين أوصلهم الى مهانة لم تكن تخطر في بال أحد منهم، وإلى تدمير علاقات بلدهم العربية والدولية، وايصالهم في جملتهم، الى ذرى من اليأس والقنوط غير المسبوقين على الرغم من كل ما عاشوه وعايشوه على مدى العقود الخمسة الماضية.

يصرُّ ذلك الحزب على تخريب أي إمكانية جدّية لإعادة الأمور الى نصابها الصحيح مع دول الخليج العربي… ويفعل كل شيءٍ ممكن وغير ممكن من أجل تثبيت القطيعة مع تلك الدول بداية ومع المدى الدولي الأوسع استطراداً، ويفترض تبعاً لحساباته وقراءته في كتاب مصالح إيران، أن التأزيم صنو التمكين بالنسبة اليه، وكلما زادت أوجاع اللبنانيين زادت الحاجة الى الترياق الايراني، وزاد نفوذ صاحب الشأن في طهران بما يدعّم أوراقه على طاولة الحكي مع الكبار، وزادت إمكانيات التفرد بالسيطرة على مساحات الأرض والدولة والمؤسسات الرسمية… والمصير الوطني العام برمّته!.

يفترض أن عزلة لبنان عن محيطه العربي الطبيعي، والعالم الغربي تتمة، ستعني له فرصة لتعبئة الفراغ بالذي يحمله ويقدمه نيابة عن الأصل في طهران!. وهو في كل حال، لم يتردد على لسان قادته في إشهار تلك النيّة وإطلاقها ببهرجة لغوية وخطابية من خلال دعوته الى “التوجه شرقاً” بدلاً من المسار التاريخي المعتمد منذ الاستقلال… والتوجه شرقاً بالنسبة الى بيانه يعني بفصيح العبارة الذهاب الى إيران أولاً والى الصين تالياً، بحيث أن الأولى “جاهزة لمساعدة” لبنان في إنتاج الكهرباء وتأمين مستلزمات معيشية وطبية أخرى، من دون أن ينتبه صاحب تلك الدعوة (أو انتبه وطنّش!) الى أن إيران مأزومة في قطاعي الطاقة والغذاء تحديداً الى حد معيب ولأسباب كثيرة أولها العقوبات الخارجية القارصة والمؤلمة، وثانيها سوء التدبير الذاتي بعد نحو أربعة عقود على قيام دولة “الولي الفقيه”… وبعد ذلك لم ينتبه الى أن الذهاب الى الصين لم يحلّ مشاكل إيران نفسها وهي الأكبر والأقوى والأغنى من لبنان المفلس والمهيض الجناح والمكسور السيادة والراتع في بحر فساد لا قعر له… وأن أحواله هذه ما كانت لتتدهور الى هذا الدرك لولا “نصائح” حزب إيران، وسياساته وممارساته وإعلامه وسلاحه وأدواره الخارجية الفضفاضة!.

… ما يفعله راهناً في شأن العلاقات مع دول الخليج العربي يحمل نوازع عقيدية وسياسية: يقول مجدداً أن برنامج عمله يستند بداية وأساساً الى الانتماء المذهبي المتقدم على المفهوم السياسي. وأن الثاني وليد الأول في حالتي البحرين والمملكة. وأن ذلك المسار هو تعبير عن إلتزام تام باستراتيجية صاحب الشأن المرجعي الايراني الذي يبني كلّ أو جلّ قراراته التمددية انطلاقاً من الذات المذهبية وليس من سواها، واستناداً الى نصّ دستوري في “الجمهورية الاسلامية” يلغي الحدود السيادية للدول ويبيح ويبرر التدخل السافر في شؤونها طالما أن طبيعتها الاجتماعية متعددة ورحبة. وهذا ما هو معتمد عملياً وفعلياً إزاء خارطة تمتد من أفغانستان وباكستان شرقاً الى لبنان غرباً مروراً بالعراق وسوريا والبحرين والسعودية والكويت… وغيرها. أما في الحالات “الملتبسة” مثل غزّة فيُصار الى استحضار “المظلومية” وجعلها باب التدخل الأثير.

وفي هذا يحضر في البال نقيض مضى بعد أن واجه ذلك المسار من بداياته في لبنان، وهو الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين الذي جاهر في حياته وفي وصاياه المسجّلة بمعارضته التامة لأي سعي مذهبي خاص في أي دولة عربية أو اسلامية، وحذر من شرور ذلك المنحى ومن محاولات الزعم بالتمايز عن الغير داخل المجتمعات الوطنية والدول الحاوية لها، ومن حمل أي مشروع خاص تحت عنوان مذهبي سافر أو مضمر… وكانت حركته المضادة للاستراتيجية الايرانية، أوسع مدى من حدود لبنان وواصلة الى دول الخليج العربي تحديداً والى غيرها من الدول المُستهدفة اليوم بذلك السعي وتلك الاستراتيجية.

لم تعنِ تلك الوصايا شيئاً لحزب إيران بطبيعة الحال، بل ان صاحبها الجليل تعرّض في حياته لحملات منظمة هو ومن وافقه الرأي والنهج والتحذير من الشطط المذهبي الخطير والمدمر… وذلك الحزب اليوم يتابع ما كان بدأه بالأمس، أيام الشيخ شمس الدين وغيره من مراجع دينية لا ولم تقرّ النهج الايراني ولا ولم توافق عليه ولا على “ترجماته” الميدانية.

وهذا من حيث المبدأ العقيدي. أما من حيث السياسة فإن حزب إيران يقول للبنانيين مجدداً ان أجندته أهم من مصيرهم، وان قراراته وقراءاته لا تخضع لميزان المصلحة الوطنية اللبنانية ولا تأبه بها في واقع الحال، بل هو ينفذ “الآن” سياسة تخدم اللحظة السياسية الايرانية وظروف المعركة المفتوحة من اليمن إلى فيينا، وان ذلك يعني مواصلة العدوان ودعمه ورعايته تحت ستار الجماعة الحوثية على الأهداف المدنية والبنى التحتية في السعودية والامارات العربية المتحدة، والاستمرار في الشغب الاعلامي والسياسي والكيدي ضد مملكة البحرين.

ثم انه يقول ويتابع القول، إن السلطة الشرعية اللبنانية لا تسري في أحكامها وقراراتها عليه! ولا تستطيع فرض ذلك اذا أرادت. وهي في الواقع أرادت، أقلّه من جهتي رئيس الحكومة ووزير الداخلية اللذين رفضا تعرض ما يسمى المعارضة البحرينية للسلطات في المنامة أو الإساءة اليها خصوصاً (وخصوصاً جداً) أن المملكة لم تضرّ لبنان مرّة واحدة في تاريخها بل العكس تماماً بتاتاً: فعلت كل شيء ممكن لمساعدة لبنان واحتضان أبنائه في كل حين.

من كان أو لا يزال يعتقد أن حزب إيران في لبنان سيغّير طقوسه وأداءه وممارساته تبعاً لاعتبارات وطنية لبنانية، هو واهم بالتمام والكمال! فهذا “الحزب” جزء لا يتجزأ من النسيج العقيدي والسياسي الايراني، نشأ وترعرع ونما في ذلك النسيج ويقدم في كل يوم وكل أزمة وكل كارثة دليلاً تلو الآخر على ذلك.

شارك المقال