حكم الطاووس

الراجح
الراجح

الفهم أو محاولة الفهم من أصعب الأشياء في السياسة وفي الحياة عموماً، جهد فكري ونفسي وانساني مرهق.

مشكلة العقل العربي في قبوله السهل والسريع لثنائية الأبيض والأسود والتي تسيطر على هذا العقل وتمسك به وتضعه أسير موقفين لا ثالث لهما.

الروح أو المادة، العلم أو الدين، الحب أو العقل، المال أو الجمال، الأصالة أو المعاصرة، الوطنية أو القومية، القومية أو السلام وهكذا… ما يأخذنا أحياناً لا بل في كثير من الأحيان الى متاهات قد نعرف أولها لكننا نجهل آخرها حكماً. ثنائية حادة وقاطعة لا تحتمل أي تنوع أو تلوين مما تصنعه الظلال.

إن هذه الثنائية لها أصولها وجذورها في العقل العربي، لكن المشكلة أنها أوصلتنا في النهاية الى حيث نستطيع أن نحب أو نكره، لكن قليلاً وقليلاً جداً ما نجرّب أن نفهم وحينئذٍ يتضح لنا أن الحب والكراهية هما أسهل الاختيارات وأن “الواقع” ولا أجرؤ وأقول كلمة “الحقيقة” بدلاً من كلمة “الواقع” لأنها أعقد كثيراً من كل الثنائيات.

مسألة العقل الثنائي قضية شديدة الخطورة في زمن أو عصر “التعبئة الشاملة” الذي جاءتنا به وسائل الاتصال الحديثة التي ساعدت كثيراً على التعميم وربما التسطيح. الكلمة اليوم تهدف لدفعنا الى اتجاه وليس الى التفكير. وعلى سبيل المثال الصورة على الشاشات والكلمة السريعة في “تويتر” مطالبتان بخلق انطباع وعن طريق تكراره وكل يوم يتأتى أو يتولّد الاقتناع.

الإقتناع بالإنطباع يصح ويصلح للإعلان لكنه في الاعلام – من العلم – يتحول الى كارثة حقيقية وكبرى، في الإعلان نشتري بالإنطباع سلعة أو لا نشتريها ومن ثم فإن الضرر محصور، لكننا في الاعلام نتخذ مواقف تؤثر في سياسات وتصنع تاريخاً وتقرر مصائر ومقادير.

ما قرره سعد الحريري شيئاً متدفقاً كحمم البركان والعقل يأمرنا أن نترك البراكين تنفجر على هواها وتفرغ المحبوس في صدرها من اللهب حتى تهدأ وتتحول النيران الى رماد وكتل صخر وبقايا دمار.

مثل ذلك يحدث في التاريخ وازاء كل تحول كبير لأننا نعلم أن المستهدف هو لبنان وليس شخصاً بعينه، يريدون تغيير دوره ومساره وشخصيته وحتى طبيعة الشخصية، لكن تلك كلها مستحيلات لأن دور أي شعب هو حقيقة جغرافيا وشخصية هذا الشعب حقيقة تاريخ وتلك أكبر وأبقى من مرحلة بعينها، لأن التاريخ لا يتوقف عند لحظة وانما هو حياة مستمرة الى الأبد.

وليعلم الطاووس وشلته أن لا خوف على الحقيقة… في يوم قريب ستشرق الشمس.

ولنتذكر اوليفر كروموديل، الذي قاد أول ثورة في أوروبا ضد الملكية وأطاح رأس الملك وحين دارت العجلة ومات كروموديل وعادت الملكية الى انكلترا أصر الملك على تنفيذ حكم الإعدام في كروموديل، فحفروا قبره وأخرجوا هيكله العظمي وبأمر من الملك علق على حبل المشنقة.

ان أحداً لم يفعل هذا حتى اليوم ومع ذلك لا نستبعد حدوثه في يوم من الأيام مع قضاء مستقل سيد يصدر حكمه على الطاووس وبإسم الشعب اللبناني…

شارك المقال