مسيّرات وصواريخ دقيقة برسم البيع!

جورج حايك
جورج حايك

لا يعكس التوتير العسكري بين “حزب الله” واسرائيل إثر اطلاق الأول مسيّرة باتجاه الأراضي المحتلة، حقيقة الوضع المستقر بين الطرفين، وقد تكلّم الأمين العام لـ”الحزب” الاسبوع الفائت عن تطويره للصواريخ الدقيقة وتصنيعه مسيّرات قابلة للبيع والتجارة، وتحدى اسرائيل بثقة أن تعثر عليها، ولا يتكلم عادة بهذا الأسلوب إلا من يثق بأن عدوّه لن يُهاجمه، وهي ليس لديها النيّة بخوض حرب مع “الحزب”.

الكلام عن الصواريخ الدقيقة وتصنيع المسيّرات، لا يستهدف اسرائيل بتاتاً، ولو ظهر أن نصرالله يهددها ويستفزها، فالمناخ السائد ليس عدوانياً بل التوافق على الخط 23 في موضوع ترسيم الحدود البحرية لا يستوجب التصعيد، ويبدو ان الطرفين يلائمهما الوضع، حتى أن اسرائيل تقصف باستمرار مواقع “الحزب” في سوريا، والأخير يعد بالرد “في المكان والزمان المناسبين”، وهو شعار لطالما ردده الوكلاء والمسؤولون الإيرانيون في الأعوام الأخيرة، كلّما قامت الدولة العبرية باغتيال قادة ايرانيين.

بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000، وصدور القرار الدولي رقم 1701 بعد حرب تموز 2006، وتوقف نهائي لأي اعمال عسكرية ضد إسرائيل، باستثناء مناوشات رمزية، متفق عليها في اراضي مزارع شبعا، وتحوّل سلاح “حزب الله”، من سلاح مقاوم لإسرائيل، الى سلاح موجه ضد الشعب السوري والداخل اللبناني والدول الخليجية.

لا مواجهات جدية بين “حزب الله” واسرائيل جنوباً، ودور سلاحه أي الصواريخ الدقيقة والمسيّرات محصور بما تمليه المصالح الايرانية، فإرشادات طهران لـ”الحزب” تقضي بتجنيب ترسانته العسكرية وأمنه وسطوته على القرار الرسمي اللبناني أي ارباك داخلي، والاستقرار مطلوب حتى اشعار آخر، ومن جانبها اسرائيل مرتاحة لأداء “الحزب” العاقل طالما حدودها الشمالية آمنة. لذلك ما يتكلم عنه نصرالله ويفاخر به في اطلالاته الاعلامية هو استعراض كلامي ظاهره تهديد اسرائيل وباطنه رسائل متعددة الاتجاهات. علماً أن مسيّرة “حسّان” حلّقت فوق الأراضي الاسرائيلية من دون أي هدف قتالي، وعادت إلى قواعدها سالمة، وهذا ما يطرح الف سؤال وسؤال!

الرسالة الأولى باتجاه واشنطن ومؤتمر فيينا بأن محور المقاومة قادر أن يُلهب الشرق الأوسط من خلال صواريخ “حزب الله” الدقيقة ومسيّراته، إذ بات هذا السلاح من الأدوات المستخدمة في المفاوضات، تحرّكها ايران كما يحلو لها ووفق مصالحها، وبمعنى آخر تقول للولايات المتحدة والدول الغربية أن أي ضربة اسرائيلية للمنشآت النووية الايرانية، سيقابلها آلاف الصواريخ والمسيّرات الموجّهة إلى اسرائيل، وحتى لو كان الثمن تدمير لبنان على رؤوس شعبه. والهدف أن تتهيّب واشنطن تهديدات نصرالله وتشعر بالخوف على حليفتها اسرائيل ومصالحها في الشرق الأوسط.

الرسالة الثانية باتجاه السعودية والدول الخليجية الذين يطالبون الدولة اللبنانية بوضع حدّ لتدخلات “حزب الله” في شؤونهم وفق ما يقتضيه مشروع ايران، وبالتالي كلام نصرالله عن الصواريخ الدقيقة والمسيّرات، لا ينفصل عن الجبهة اليمنية، وامكانية تصدير هذه الصواريخ إلى الحوثيين، علماً أن لا ايران ولا “حزب الله” يقصّران في دعم الحوثيين بهذا السلاح. وأراد نصرالله إفهام الخليجيين أن كل مبادراتهم التي تمسّ سلاحه ستؤول إلى الفشل وأن لا مساس بسلاحه وسلطته ودوره ونفوذه.

الرسالة الثالثة باتجاه الداخل اللبناني، فهو عندما يتكلم عن 100 الف عنصر وصواريخ دقيقة وتصنيع المسيّرات واطلاق فيديو لتدريبات عناصر “الحزب” على الثلج بعد يومين من اطلاق الجيش اللبناني فيديو مماثل، يريد أن يكون هذا السلاح “فزّاعة عصافير”، ذاك الاختراع الذي شاءه الانسان نصيراً له في ابعاد الطيور عن حقوله المزروعة. الرسالة الموجهة إلى معارضي “الحزب” في الداخل تقول انهم لو فازوا في الانتخابات سيبقى القرار الرسمي في يد “الحزب”، فهو يملك القرار الاستراتيجي بحكم فائض القوة ضارباً الدستور والمؤسسات الرسمية عرض الحائط. لكن لا بد من سرد تلك الرواية القصيرة عن “فزاعة العصافير”، إذ غضب فلاح من غزو العصافير لحقله حيث كانوا يقتاتون الحبوب، فهداه تفكيره إلى نصب فزّاعة وسط الحقل. وقال: لن يجرؤ طائر بعد الآن مهما أوتي من الجرأة على الاقتراب من الحقل، ما بقيت الفزاعة منتصبة كأنها حارس حقيقي. واختار شجرة مطلة على الحقل فجلس تحتها، يراقب الطيور البرية، ويسمع ما يجري بينها من حوار، وهو مطمئن إلى أن كافة الطيور قد غادرت المكان خوفاً ورعباً.
جاء عصفور الدوري فرفرف بجناحيه فوق غصن الشجرة، ثم استدار نحو عصفور قَدِم معه، وهو يقفز في خفة ورشاقة، وقال: هل تعتقد يا صاحبي أن هذا الرجل الذي ينتصب وسط الحقل، يستطيع منعي من التقاط ما أشاء من الحبوب، ثم انقضّ على الحقل، ومن خلفه صديقه العصفور، فاكتشفا حقيقة الفزّاعة وأخذا يلتقطان الحبوب المنثورة تحت المعطف بكل استخفاف!

الهدف من هذه الرواية القول أن الشعب اللبناني والكثير من قياداته كسروا حاجز الخوف من سلاح نصرالله الذي أصبح من دون فعالية منذ حوادث خلدة وشويا وعين الرمانة، وبالتالي مهما توعّد نصرالله واستعرض سلاحه ورفع أصبعه لن يغيّر شيئاً، وما سيحصل في الاستحقاق النيابي سيحجّم “حزب الله”، إن لم يكن على نحو مباشر، فسيكون عبر رفع الغطاء المسيحي عنه، فيصبح أقلية، ربما وازنة، لكنها غير قادرة على الإمساك بالقرار، كما كان خلال عهد ميشال عون.

الرسالة الرابعة من خلال كلام نصرالله عن الصواريخ الدقيقة والمسيّرات وارسال واحدة الى اسرائيل لتسخين الوضع العسكري والأمني باتجاه نسف الانتخابات النيابية، وهل من يريد الانتخابات يعلن بأنه باتت لديه القدرة على تحويل آلاف الصواريخ التي يملكها إلى صواريخ دقيقة، وأنه يقوم بتصنيع المسيّرات ومستعد لبيعها لمن يريد أن يشتري؟ علماً أن كل ما يفعله “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” من تصعيد سواء بملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لا يبشّر بالخير. ولا يُستبعد أن تكون جلبة الصواريخ وضجة المسيّرات والتوتير مع اسرائيل لتمرير صفقة ترسيم الحدود البحرية والتنازلات التي قام بها رئيس الجمهورية من أجل رفع العقوبات عن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.

والمفارقة أنه عندما تأتي ساعة الجد والحقيقة ويقرر الأميركيون تسوية معينة مع ايران، لا يُستبعد أن تصبح صواريخ “حزب الله” الدقيقة ومسيّراته سلعة للبيع في البازار الاقليمي والدولي.

شارك المقال