الإستفزاز والممالقة!

رامي الريّس

عندما ترتطم مصالح الدول القويّة والكبرى، تدفع الدول الضعيفة والصغرى الأثمان الباهظة. أوكرانيا ليست المثال الأول ولن تكون الأخير في التاريخ القديم والمعاصر. لقد مارست واشنطن والغرب كل الإستفزاز الممكن لدفع الدب الروسي إلى غزو أوكرانيا ثم راحت تتفرّج على سقوط الضحايا وإنهيار المواقع والمدن.

كلماتٌ معبّرة قالها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “لقد تُركنا وحدنا للدفاع عن بلدنا. من هو مستعد للقتال معنا؟ لا أرى أحداً”. الإكتفاء الغربي بإصدار بيانات التنديد والاستنكار وترتيب حزم جديدة من العقوبات القاسية يؤكد أن المقاربة التي إعتمدت لم تكن ترقى إلى مستوى التحدي الذي مثله الغزو.

لا يمكن بأي شكل من الأشكال تبرير الغزو الروسي لأوكرانيا، فإحتلال الدول يفترض أن يكون سياسة سيئة إنطوت منذ زمن، لا سيّما مع تطوّر أساليب “السيطرة الإمبرياليّة”- إذا صح التعبير- ومع تحوّل العالم إلى قرية كونيّة يمكن بسط النفوذ على أطرافها المختلفة من خلال الاقتصاد المفتوح وتقدّم دور الشركات العابرة للقارات على حساب الدول المركزيّة.

بإستثناء حالات قليلة ونادرة في طليعتها قضية فلسطين المنسيّة والرازحة تحت الإحتلال منذ عقود، لم تعد طريقة السيطرة العسكريّة المباشرة هي المعتمدة. ثمّة طرق عديدة أخرى، كتلك التي تبتدعها الصين من خلال تمددها الذي لا يتوقف في مختلف قطاعات الإنتاج وقد أصبحت تشكل تهديداً جديّاً للنفوذ الدولي للولايات المتحدة الأميركيّة والغرب عموماً (وروسيا أيضاً بالمناسبة).

وإذا كان الاحتلال ليس مبرراً، فالاستفزاز أيضاً ليس هناك ما يبرره، وكذلك إستعادة أساليب وأدوات وسياسات حقبة الحرب الباردة التي كانت قد إنطوت إلى حد كبير مع الانهيار الدراماتيكي للاتحاد السوفياتي سنة 1991 وما تلاه من تداعيات على أوروبا الشرقيّة وعلى مستوى العلاقات بين الشرق والغرب.

لطالما “دافع” الغرب عن حق الدول بإستقدام تعزيزات عسكريّة ولوجستيّة لحماية أراضيها والدفاع عنها، وهذا ما جعل الضغط الغربي يتصاعد في ما يخص أوكرانيا وحثها على الإنضمام إلى حلف شمالي الأطلسي (الذي فقد منافسه التاريخي “حلف وارسو” منذ نحو ثلاثين عاماً). ولكن عندما ذهبت موسكو لدعم كوبا وفق المنطق ذاته، إنتفض الغرب رافضاً “الاستفزاز”.

سياسة المعايير المزدوجة التي يعتنقها الغرب تفعل فعلها في الكثير من الميادين. في السياسات النوويّة، هناك إزدواجيّة فاضحة: الدول المرضي عنها يحق لها دخول النادي النووي من دون إستئذان، والدول المغضوب عليها لا يحق لها ذلك. لماذا لا تكون هناك متابعة لسياسة الحد من إنتشار الأسلحة النوويّة والبيولوجيّة لجميع الدول ونوفر على العالم الكثير من الموارد الماليّة التي تُستنزف لتصنيعها ونعزّز في الوقت ذاته فرص السلام العالمي؟.

في القضيّة الفلسطينيّة، يقف الغرب إلى جانب المحتل على حساب أصحاب الحق، ويكرّس أمر واقع بالقوّة والغطرسة ورفض ممارسة الحد الأدنى من الضغط على إسرائيل التي لم تحترم يوماً قرارات الشرعيّة الدوليّة، بل نكلت بها وضربتها عرض الحائط من دون إكتراث لأي من مضامينها.

الغزو الروسي على أوكرانيا يجب أن يتوقف فوراً، وكذلك سياسات الممالقة الزائفة التي تمارسها بعض الدول الكبرى وتتولد عنها كوارث يصعب لملمة نتائجها!

شارك المقال