لبنان خلف الجبهة الروسية – الأوكرانية

عاصم عبد الرحمن

يوم أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من الأسى، التسليم بقضاء الله وقدره، كان يواسي نفسه وشعبه وبلاده إذ قال متحسراً: “تُركنا وحيدين في مواجهة الجيش الروسي”، وذلك على وقع إحجام حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن إرسال قوات داعمة إلى أوكرانيا ليقتصر المدد على بعض الأسلحة والعتاد. ولا شك أن شبه التخلي الغربي هذا عن حليفته الأوكرانية تفوح منه رائحة صفقة ما سترخي بظلالها على الكثير من الملفات الدولية والإقليمية الشائكة تاركةً آثارها المصيرية على مسار العلاقات السياسية والإقتصادية بين الدول الكبرى التي تتقاسم النفوذ في مناطق عديدة خاصة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، فأين لبنان إقتصادياً وسياسياً من تداعيات هذه الحرب؟

سنوات عديدة تمضي قبل أن يكتب السياسيون والحكام مذكراتهم يروون من خلالها مسار فترات تقلدهم السلطة، وكم ينذهل العالم جراء اعترافاتهم التي تنقل حقائق مغايرة تماماً لما كانت عليه ظواهر الأحداث السياسية التي رافقت حكمهم أو تلك التي صنعوها.

وها هي الحرب الروسية – الأوكرانية التي لربما استبق الرئيس الأوكراني الخائب مسار أحداثها معنوناً مذكراتها بـ ‘الخيبة’. تتعدد الوقائع والحقيقة واحدة إنها الحرب، قتل وتهجير ودمار ريثما يتفق الكبار على إخراج الحل المتفق عليه قبل وقوع هذه الحرب ضمن عرض تفاوضي مسرحي.

ولا شك أن الأهداف الروسية واضحة المعالم من وراء هذه الحرب، فهي أولاً تريد استعادة أمجاد الإتحاد السوفياتي، ثم أنها لن تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ما يعني حكماً وجود القوات الأميركية على حدودها، كذلك تريد روسيا تأمين خط إمداد الغاز أو ما يعرف بـ “Nord Stream 2” الى أوروبا. إذاً لن تهدأ روسيا قبل أن تضرب طوقاً أمنياً وسياسياً حول الحديقة الخلفية لها في أوكرانيا نحو أوروبا.

روسيا التي لعبت دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين الدول الغربية وإيران من أجل إعادة إحياء الإتفاق النووي وهو الملف الأكثر أهمية بالنسبة إلى الأميركيين نظراً الى تشعب القضايا المرتبطة به في الشرق الأوسط وإسرائيل على وجه الخصوص.

العراق وبعد فوز الكتلة الصدرية غير القريبة من إيران وفشل انتخاب رئيس للجمهورية مقرب منها، يبدو أنه اصطف إلى جانب المحور الأميركي بشكل شبه نهائي.

سوريا التي يحافظ الروس على نفوذهم السياسي والعسكري فيها بمباركة إسرائيلية ورضىً أميركي قوامه التعاون السياسي والإقتصادي بين روسيا والولايات المتحدة بشرط تقليم أظافر الإيرانيين وهي مصلحة مشتركة بين الروس والأميركيين والإسرائيليين.

أذربيجان حيث التنسيق والتفاهم قائمان بين الأميركيين والروس وهو ما كان قد أسفر عن هزيمة أرمينيا وكذلك إيران التي حشدت إلى جانب الأذريين والأرمن.

أمام ما تقدم وحيث تكون روسيا قد أمنت راحة البال الأميركية حيال الملفات التي تشغلها، فإن العلاقات الدولية التي تحكمها المصالح ليست جمعيات خيرية بل تبادل مكاسب وأدوار، وعلى وقع العقوبات الأميركية الخجولة والمساعدات العسكرية المتواضعة والمواقف التضامنية الباردة والأبرز إحجام الناتو عن التدخل العسكري، يبدو جلياً أن أوكرانيا هي الجائزة الأميركية المقدمة إلى روسيا مقابل تأمينها مصالح الولايات المتحدة التي كان لها ما أرادت، والتاريخ شاهد على خذلان الأميركيين لحلفائهم وأصدقائهم فهي تركت عملاءها عرضة للقتل والإنتقام بعد انتهاء الحرب الفييتنامية، كذلك تخليها عن شاه إيران بعد سقوط النظام الملكي وغيرها الكثير من محطات التخلي الأميركي على عكس الروس الذين يقاتلون من أجل أصدقائهم حتى الرمق الأخير، والدفاع المستميت عن بشار الأسد خير دليل على الأداء المتناقض للأميركيين والروس.

وفي ما يتعلق بلبنان الذي لا يتقن لغة الحياد أو النأي بالنفس، فلا بد للحرب الروسية – الأوكرانية أن تترك انعكاساتها على الداخل اللبناني فيتأثر سلباً الوضعان الإقتصادي والسياسي ونوجزهما كالآتي:

* اقتصادياً

– ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

– ارتفاع تكاليف الشحن إلى لبنان بشكل كبير.

– تهديد الأمن الغذائي نتيجة توقف استيراد القمح وهو المادة الأكثر حيوية بالنسبة الى لبنان.

– فقدان الكثير من السلع التي يستوردها لبنان من أوكرانيا كالزيت الخام، الماشية، الحبوب، الحديد وغيرها.

* سياسياً

– كما هو عليه حال تشارك النفوذ السياسي مع ترجيح الكفة الروسية والتعاون الإقتصادي والعسكري بين الأميركيين والروس في سوريا، كذلك في لبنان حيث الإهتمام الأميركي واضح للعيان ليس من خلال بناء سفارة تعتبر الأضخم في الشرق الأوسط وحسب، بل عبر التدخل المباشر في معظم الملفات اللبنانية من أمنية وعسكرية ومالية وفي مقدمها ترسيم الحدود البحرية، يضاف إلى ذلك موافقة أميركية على دخول الروسي من البوابة الاقتصادية النفطية واستيعاب دور “حزب الله” السياسي ضمن اتفاق مرتقب بتفاهم مشترك مع الروس والإيرانيين وذلك تحت المظلة الأميركية.

إذاً ومع اشتداد الحرب الروسية – الأوكرانية وما يُخبأ خلف جبهاتها من اتفاقات وتفاهمات على تقاسم وتوزيع النفوذ والأدوار بين الأميركيين والروس لتمهيد السبل نحو تعددية قطبية دعا إليها كيسنجر لتخفيف عبء زعامة العالم، وما تحمله من مسؤوليات هائلة، عن كاهل الأميركيين الذين يبدو أنهم قرروا أن يستريحوا شرق – أوسطياً عبر إعادة إحياء الإتفاق النووي الإيراني، وإسرائيلياً من خلال ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وذلك بالتفاهم على الإتفاق والإختلاف مع الروس برزت تجلياته في الحرب الروسية على أوكرانيا،ف هل يحصد لبنان بعض ثمار التفاهمات الدولية ويكون حصانه رابحاً في التسوية المرتقبة؟

شارك المقال