عنصريون يدينون العنصرية

عالية منصور

بكل عفوية قال رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف: “إن دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للترحيب باللاجئين الأوكرانيين في أراضيها بعد الغزو الروسي”، ولكن عفويته لم تقف عند هذا الموقف الانساني ليتابع بكل عنصرية إنهم “أناس أذكياء ومتعلمون وبعضهم متخصصون في تكنولوجيا المعلومات وهم مؤهلون تأهيلاً عالياً”. وأضاف: “هذه ليست موجة لاجئين اعتدنا عليها، حيث لا نعرف ماذا نفعل مع أناس لديهم ماض غامض، كأن يكونوا إرهابيين مثلاً”. لم أفهم تماماً ما علاقة التخصص بتكنولوجيا المعلومات بالأمر، ولكن بغض النظر عن تكنولوجيا المعلومات، وأن “داعش” قد تكون من أكثر من استخدم التكنولوجيا “ذكاء” للتجنيد والتمويل والتحريض، فان بيتكوف اعتبر بتصريحه هذا أن اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط هم على عكس كل ما ذكر بل وقد يكونون ذوي ماض ارهابي بسبب انتمائهم الديني طبعاً، وكأن ما يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس ارهاباً.

بيتكوف ليس وحده من اتخذ موقفاً عنصرياً حينما قارن الهاربين من جحيم الحرب الروسية والهاربين من حرب بشار الاسد على السوريين أو الهاربين من “داعش” أو الافغان الذين خذلهم العالم فهربوا مجدداً من جحيم “طالبان”، فمراسل “سي بي أس نيوز” الأميركية شارلي داغاتا، قال بعفوية أيضاً في مداخلة له في إطار تغطية الأحداث الدائرة في أوكرانيا، وهو يعبّر عن تأثره وحزنه الشديد على ما يتعرض له الشعب الأوكراني: “هذه ليست العراق ولا أفغانستان، هذا بلد متحضر ودولة أوروبية ولا يصح أن يحدث فيها ما نراه الآن”. نعم يصح أن يحدث القتل والتهجير في العراق وأفغانستان ولكنه يصبح أمراً خاطئاً ان حصل في أحد دول الاتحاد الأوروبي.

قبل أسبوع كتبت: عندما ترى صورة ضحية لا يمكن الا أن تتعاطف معها قبل أن تسأل، ان سألت، عن جنسيتها ولونها ودينها وجنسها، أو هكذا ظننت، وان بعض الظن اثم. وفعلاً ان بعض الظن اثم وأكثر.

فان كانت تصريحات مسؤولين وصحافيين أوروبيين أظهرت ليس عنصريتهم وحسب، ولكن أيضاً جهلهم بحقيقة ما حصل ويحصل خارج قارتهم العجوز، فان ردة الفعل العفوية أيضاً في عالمنا العربي والاسلامي أظهرت ازدواجية المعايير والقيم التي نتغنى بها كلما سمعنا بموقف عنصري ضد “بشرتنا السمراء وعيوننا السوداء”.

قبل أسابيع وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر مجلس شورى الدولة في لبنان قراراً بوقف تنفيذ قرار وزير العمل الذي أجاز للفلسطينيين المولودين في لبنان ممارسة المهن التي حصرت سابقاً باللبنانيين. هذا ليس موقفاً لمراسل أو مسؤول، بل قرار يمنع آلاف الفلسطينيين من حق العمل فقط لأنهم فلسطينيون.

قبل أسابيع أيضاً توفى أربعة أطفال رضع في لبنان بسبب عدم وجود طبيب اخصائي لمعالجتهم، ومع ذلك يمنع الطبيب الفلسطيني المولود في لبنان من أن يساهم في انقاذ أرواح البشر لأنه فلسطيني.

عند كل موقف عنصري من جبران باسيل وشركائه في الفكر حتى لو كانوا خصومه في السياسة، نرى “قبحاً” عنصرياً بغيضاً يكاد يشعل فتنة لا لشيئ الا لشد عصب من يظن نفسه أيضاً متفوقاً جينياً على اللاجئ السوري أو الفلسطيني، وفي المقلب الآخر نرى مواقف عنصرية ضد اللبنانيين رداً على عنصرية البعض منهم، ودائرة مغلقة ندور فيها منذ سنوات ولا يبدو أن أحداً يرغب في وضع حد لهذا القبح.

في بلادنا المحتارة بين السمار والشقار، في بلادنا الحنطية اللون لا يزال قانون الكفالة ساري المفعول، ولا يزال البعض يبرر لمسبح هنا ومطعم هناك منع عاملة اثيوبية من الاستمتاع بعطلتها في المسبح، أو عامل بنغلادشي من الدخول الى مطعم. وحتى من نتشارك معهم اللون والجغرافيا والتاريخ، فكم بلدية أصدرت قراراً بمنع تجول السوريين بين الساعة كذا وكذا؟ وكم من ناشط وصحافي وسياسي برر قرارات كهذه لأسباب أمنية؟ ما الفرق اذاً بين ما قاله بيتكوف وبين ما نقوله ونمارسه بحق أنفسنا والآخرين؟

Uncivilized أو غير متحضرين، حملة انطلقت للرد بسخرية على الكلام العنصري لمسؤولين وصحافيين أوروبيين، ولكن ان كنا أشخاصاً متحضرين فعلينا أن نعترف بأننا نعيش في بلاد تحكمها قوانين لا يمكن وصفها أقله الا بعدم التحضر. يستطيع بيتكوف أن يتعاطف مع الشعب الأوكراني ولا يتعاطف مع السوري أو الأفغاني أو العراقي، ولكن هل يستطيع أن يصدر قراراً بحظر تجول اللاجئ السوري مثلاً والسماح للاجئ الأوكراني بالتجول في بلغاريا؟

يستطيع داغاتا تقديم اعتذاره، وهو ما فعله قائلاً: “لقد تحدثت بطريقة غير مناسبة… آسف لذلك، ما كنت أود أن أنقله بشأن القتال الدائر هنا، أن هذا البلد لم يشهد هذا الحجم من الحرب في السنوات الأخيرة، على عكس بعض الصراعات الأخيرة التي قمت بتغطيتها”. هل اعتذاره مقنع؟ ليس بالنسبة لي ولكنه اعتذر، فهل اعتذر جبران باسيل عن عنصريته؟ وهل اعتذر جورج قرداحي عن عنصريته؟ وهل اعتذر مجلس شورى الدولة عن قراره العنصري بوقف العمل في قرار يخفف قليلاً من العنصرية تجاه الفلسطيني؟

بالتأكيد ليس كل من أدان عنصرية الغرب هو عنصري في الشرق، ولكن ليتنا نعترف بأننا لا نقل عنصرية وأبشع، فهنا القوانين تسن باسم الشعوب لتقونن العنصرية.

محاربة العنصرية تبدأ بتجريمها، فهل نحن مستعدون لذلك؟ هل نحن قادرون على الضغط على حكوماتنا لوقف العمل بقوانين التمييز؟

شارك المقال