أدولف عين الرمانة وبوتين كييف وجهان لعملة واحدة

رامي عيتاني

على هدير أورغ ستالين أعاد القيصر الروسي عقارب الساعة إلى حيث شارب ستالين المعكوف وهو يرقد على أمجاد الحرب العالمية الثانية، هناك وقفت الساحة الحمراء نداً منتصراً تشارك الحلفاء في الاسلاب… تقاسمت دول الشرق والغرب مع الحلفاء الأعداء، ولأن التاريخ يعيد رهانه على قادة يحلمون ويتجرأون وينتصرون أو يهزمون، لكنهم يحفرون عميقاً في ذاكرته، ذاكرة هذا التاريخ.

وعلى أبواب كييف وقف القيصر بوتين عاجزاً حائراً وفي جعبته كل شيئ يعينه على الانتصار الساحق الماحق، لكن المراوحة على هكذا بوابات تضيق الأنفاس على الرجل الذي عاد من شواطئ سوريا ثملاً بالانتصارات التي هزم فيها الكون في حربه ضد النظام المتهالك، الا أن كييف أمامه اليوم هي العقدة التي عندها تكسرت كل العنجهيات لتوحد عالماً بأمه وأبيه في وجه عدو مشترك.

قصة لبنانية واقعية تشبه الوضع الحالي في كييف، ففي ثمانينيات القرن الماضي كانت الحرب اللبنانية على أشدها، حاول الجيش السوري الدخول إلى عين الرمانة لطرد مقاتلي الجبهة اللبنانية منها. المحاولات كلها فشلت على الرغم من كثافة القصف ولعلعة الراجمات السورية التي أغدقها الرئيس الروسي الحديدي اندروبوف على حليفه حافظ الأسد، عشرات المحاولات ومئات القتلى والجرحى وبقي الجيش السوري عاجزاً عن دخول المنطقة. استمرت المحاولات واستمرت الاتصالات لمعرفة سر هذا الصمود في مواجهة الآلة العسكرية، ولأن حافظ الأسد عسكري متمرس طلب تقريراً منطقياً عن الأسباب التي تمنع جيشه من الانتصار، وبدأت التقارير تصل تباعاً إلى قصر المهاجرين، بعضها يتهم المقاتلين بأنهم يستعملون الأهالي كمتاريس والبعض الآخر أكد أن جيش العدو أدخل بعض الخبراء بثياب مدنية إلى داخل عين الرمانة لمساعدة المقاتلين على خطوط التماس، ووو… تقارير لم يطمئن إلى صدقيتها الرئيس المحنك الذي خاض حرب تشرين بنجاح كبير.

صمود عين الرمانة وفشل الحسم العسكري دفعا بالرئيس حافظ الأسد إلى عقد قمة لبنانية – سورية شارك فيها الأركان في الجيشين السوري واللبناني، وفي ذلك اللقاء كانت عين الرمانة البند الوحيد للنقاش وفي كيفية بسط سلطة الشرعية التي رسمها السوري خلال وجوده في ربوعنا اللبنانية. السفير جوني عبدو شارك في هذا اللقاء للمرة الأولى وكانت مشاركته الأخيرة، تسأل السفير عبدو الذي كان مديراً للمخابرات في عهد الرئيس الياس سركيس عن الأسباب التي دفعت بالسوري إلى القطيعة الشاملة فيروي: “في هذا اللقاء الوحيد مع حافظ الأسد سأل الجميع عن عين الرمانة، وجاء دوري طارحاً السؤال بقوله: مدير المخابرات دائماً أدرى بشعابها، فرددت: سيادة الرئيس المطلوب حوار تجريه الشرعية اللبنانية مع قادة هؤلاء الشباب، فالقادة حينها يسحبون الخمسمئة مسلح ويعودون جميعاً إلى أشغالهم”.

هذا الكلام وقع على رؤوس الفريق السوري كالطير، الرئيس الأسد التفت إلى قادة مخابراته مستهجناً سائلاً: خمسمئة أم عشرون ألفاً؟ تلعثم الجميع وارتبكوا. وينهي السفير عبدو كلامه: “هذا التوضيح أبعدني نهائياً عن زيارات دمشق الرئاسية اضافة إلى آلاف التقارير عني تصل بأقلام امتهنت الكذب والتحوير”.

وهنا انتهت رواية السفير عبدو وانتهت قصة عين الرمانة لكن كييف بدأت للتو…

كييف فخ نصبه الأميركي بايدن الكهل بإمارات العاجز الواضحة على محياه، استدرج بوتين العائد على صهوة الانتصار من المياه الدافئة، اعتقد وظن أن أوكرانيا هي في متناول يديه، هجم ليجتازها والوصول عبرها إلى عمق القارة العجوز، لكن أسلوب “الرئيس الخاسر” بايدن – والوصف هنا لترامب عدوه الدائم – استدرجه إلى موقعة المولوتوف في المنازل وعلى أسطح البنايات في العاصمة كييف، ومؤخراً مواقع النووي في تشرنوبيل وزابوريجيا. القيصر وقع بين الذلة والذلة فلم يعد يستطيع الدخول إلا بالمجازر التي ستزيده عزلة شاملة عالمياً، كما أنه لا يستطيع العودة، ففي الساحة الحمراء ينتظره الأركان في جيش لم يعرف الهزيمة منذ أيام ستالينغراد المجيدة.

لكن الخوف كل الخوف أن لا يبقى أمامه سوى الزناد يكبس زراً نووياً يقضي فيه على البشرية كي يخفي حشرته. وهكذا يتساوى أدولف بنسخته الأولى في الأربعينيات والحالي القيصر الروسي بوتين .

ولسير الأحداث تتمة…

شارك المقال