الخزانة الأميركية توسع تحذيراتها لتشمل “حلفاء” روسيا والحزب؟

وليد شقير
وليد شقير

بات القطاع المصرفي اللبناني والسياسيون اللبنانيون تحت رقابة مشددة أكثر من السابق من قبل وزارة الخزانة الأميركية بعد زيارة وفدها إلى لبنان لمدة ثلاثة أيام، والتي أنهتها في 2 شباط.

فالزيارة تمت بعد فرض واشنطن سلسلة عقوبات على روسيا في إطار الحرب التي تخوضها في أوكرانيا بسبب تقاربها مع الغرب وحلف الناتو، وعشية فرض عقوبات جديدة على رجلي أعمال لبنانيين هما علي سعادة وابراهيم طاهر يعملان في غينيا وتتهمهم بتمويل “حزب الله” ودعمه. كما أنها زيارة لها مغزى نظراً إلى المواضيع التي تناولها وفد وزارة الخزانة مع كبار المسؤولين اللبنانيين والمصارف وبعض رجال الأعمال، لإخطارهم بوجوب التشدد أكثر في التزام العقوبات.

وكان لافتاً أن بيان وزارة الخزانة تناول هذه المرة مواضيع تخرج عن طبيعة العلاقة مع لبنان التي اقتصرت في السنوات الماضية على التدقيق بأوضاعه المالية والمصرفية من زاوية تطبيق العقوبات على غسل الأموال وملاحقة القنوات المالية التي تستفيد منها التنظيمات التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية وتسعى إلى استهداف تمويلها وللحؤول دون استفادتها من النظام المصرفي اللبناني، فتعدتها هذه المرة من زاوية أزمته المالية الاقتصادية الخانقة إلى المفاوضات مع صندوق النقد والإصلاحات المطلوبة. فالوفد شدد وللمرة الأولى على المصارف والحكومة أن تضمن أي خطة للتعافي الاقتصادي إعادة ودائع المودعين ولا سيما صغارهم. كما تناولت شأناً سياسياً حين ذكر بيان الوفد عن الزيارة أنه شكر المسؤولين اللبنانيين على “موقفهم القوي ضد الاجتياح غير المبرر والاستفزازي لأوكرانيا”.

أما مؤشرات التشدد في المرحلة المقبلة من قبل الخزانة الأميركية فقد جاءت وفق قراءة البيان، وما تسرب من معلومات عن المداولات التي جرت خلال اللقاءات التي أجراها الوفد كالآتي:

– شكر الوفد لبنان على موقفه بإدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا بعد سلسلة اتصالات أميركية من السفيرة في بيروت دوروثي شيا، ثم نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند مع الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي لحثهما على اتخاذ هذا الموقف والتصويت إلى جانب القرار الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وتقول مصادر سياسية إن حث لبنان على اتخاذ هذا الموقف اقترن مع إيحاءات بأن عدم انسجامه مع أكثرية الدول ستكون له انعكاسات سلبية على وضعه. وفي رأي هذه المصادر أن هذه الإيحاءات فُسرت على أنها تلويح بعقوبات على مسؤولين لبنانيين، خصوصاً أن الوفد تناول ما اعتبره الفساد وغياب المحاسبة “في القطاعين العام والخاص” ما يلقي الضوء على واحد من أسباب التجاوب اللبناني الرسمي وخصوصاً من قبل الفريق الرئاسي اللبناني الذي عادة ما يأخذ في الاعتبار موقف حليفه “حزب الله”. فالأخير رفض إدانة روسيا بحجة “النأي بالنفس” عن الأزمات، ولعداء الولايات المتحدة له ولإيران. وهذا يعني أن التعارض بين الحليفين كانت له مبررات فوق العادة.

– أن وفد الخزانة أثار مسألة مؤسسة “القرض الحسن” التابعة لـ”حزب الله”، وتطرق إلى واقع أنها مرخصة من وزارة الداخلية، مشيراً في اللقاءات إلى هذه النقطة، وملمحاً إلى وجوب إلغاء هذا الترخيص من قبل الدولة اللبنانية. وهذا أمر يفتح الباب على سلوك أركان السلطة إزاء هذه المسألة والحزب في المرحلة المقبلة. وفي اللقاءات مع جمعية المصارف أثار الوفد بلغة متشددة قضية تعامل بعض المؤسسات المصرفية مع “القرض الحسن” بالاستفادة من دولرة السوق المالي اللبناني عبر الـ”فريش ماني” الذي يتيح إدخال أموال نقدية إلى المصارف، نظراً إلى حاجتها إليها. وأفادت المصادر أنه مع نفي المصرفيين الذين التقى بهم الوفد أي تعامل مع “القرض الحسن” فإن الوفد حذر من أن أي تساهل من المصارف في هذا المجال، سيرتب عقوبات عليها، إذا اكتشف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (ofac) أن سياسيين مقربين أو متعاملين مع “حزب الله” أو حلفاء له أو على صلة سياسية معه، يستفيدون من النظام المصرفي اللبناني، ما سيُخضع المصرف المعني للعقوبات. وتعتبر الأوساط التي اطلعت على المداولات أن هذا التحذير يترك للخزانة الأميركية هامشاً واسعاً لاستهداف المصارف أكثر من السابق. وتسأل هذه المصادر في هذا السياق، كيف ستتعاطى المصارف اللبنانية مع الرصيد المالي الذي على المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة أن يودعوه في حساب مصرفي وفق ما ينص عليه قانون الانتخاب، (في إطار مراقبة الإنفاق الانتخابي الذي وضع القانون سقفاً له تفادياً للتفاوت في استخدام المال وللرشوة…)، إذا كانوا لا ينتمون إلى “حزب الله” لكنهم يتحالفون معه على لائحة انتخابية واحدة؟.

– أن الوفد، نبّه المصارف إلى ضرورة التزام العقوبات التي فرضتها أميركا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى على روسيا بعد اجتياحها أوكرانيا. وفُهم أن التشدد والتحذير من أن يستغل سياسيون أو رجال أعمال لبنانيون صفتهم على الرغم من عدم انتمائهم الى “حزب الله” لكنهم حلفاء أو أصدقاء له من أجل الاستفادة من النظام المصرفي اللبناني سيشمل أيضاً الشبهة في شأن شخصيات يمكن أن تكون لها علاقة بموسكو، وأن المصارف التي تتعاطى مع شخصيات تغطي الجانب الروسي في النظام المصرفي اللبناني، ستتحمل مسؤولية اتهامها بأنها تخرق العقوبات. وهو سيف مصلت على المصارف إذا صح أن هذا سيكون توجه وزارة الخزانة في المرحلة المقبلة، في إطار الضغط الدولي على المسؤولين الروس ورجال الأعمال الذين يتعاطون مع موسكو. وهو أمر ترك علامات استفهام وقلق لدى العديد من المصرفيين اللبنانيين، ورجال الأعمال.

شارك المقال