الشيخة بدوي حرة بعد “ميني انتفاضة”… وملفها أقفل قضائياً

عبدالله ملاعب

تفاعلت في اليومين الماضيين قضية الشيخة اللبنانية هنية بدوي التي عادت من فلسطين المحتلة الى لبنان عبر معبر الناقورة، متوجهة الى عائلتها بعد وفاة زوجها وعدم وجود أقارب أو أولاد لها في الأراضي المحتلة. وبحسب المعلومات، فإن أقرباء الشيخة بدوي في لبنان كانوا قد تواصلوا مع النائب طلال أرسلان الذي أبلغهم أن عودتها الى أهلها لن تؤدي الى توقيفها، بل تعبر من الناقورة الى ثكنة زغيب في صيدا لتعود فوراً الى بيتها وأهلها. إنما الواقع كان مغايراً، إذ نُقلت الشيخة بدوي من الثكنة ليل الخميس – الجمعة الى المستشفى العسكري بغية توقيفها ليتم التحقيق معها. وفور معرفة مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز بالحادثة، تواصل شيخ العقل سامي أبي المنى مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. كما كلف رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور بالملف ليصار الى إطلاق الشيخة بدوي بموجب أمر عسكري صدر من قائد الجيش والقاضي عويدات. وحسب معلومات “لبنان الكبير”، تم إقفال هذا الملف قضائياً.

ومما لا شك فيه أن الضغط الشعبي الذي حصل ليل الجمعة – السبت عجَّل في التدارك الفوري لهذه السابقة، إذ لم يتم اعتقال شيخة من قبل. وفي الاطار، سجل قاضي المذهب الدرزي في الجمهورية اللبنانية غاندي مكارم في حديث لـ “لبنان الكبير”، عتباً على الدولة اللبنانية، متحدثاً عن ضرورة تنسيقها مع المشيخة في مثل هذ الحوادث. وفي تغريدة على “تويتر”، أكد شيخ العقل أن “التعاطف مع قضية الشيخة بدوي مبرر نظراً الى بعدها عن شبهة العمالة والى حالتها الانسانية”.

موضوع العمالة كان لا بد من توضيحه بشكل صارم وحازم كما أتى في تغريدة شيخ العقل وذلك لجملة من الاسباب أبرزها: تاريخ عشيرة بني معروف الاسلامية العربية التي حمت ثغور الوطن العربي لزمن طويل ولما فرضته الجغرافيا السياسية، إذ أن قرى حاصبيا الدرزية كانت من ضمن القرى اللبنانية الـ 125 التي بقيت تحت الإحتلال الاسرائيلي الى الأمس القريب، أي الى العام 2000، اضافة الى كون دروز فلسطين المحتلة والجولان المحتل أناساً قرروا عدم ترك أرضهم وهذا يأتي في صلب العقيدة الدرزية.

كما تجدر الاشارة الى ما ذكّر به عقلاء الطائفة الدرزية ومشايخها بعد حادثة الشيخة بدوي، من تسجيل حركة عبور لوفود لبنانية تذهب الى الأراضي الفلسطينية لزيارات دينية.

مع ذلك، تأخذ قضية الشيخة هنية طابعاً مختلفاً، فهي لبنانية درزية تزوجت من درزي عربي رفض ترك أرضه. وفي هذا الاطار، كانت لافتة تغريدة رئيس الحزب “التقدمي” الذي انتقد ما أسماه “إستباحة غرفة الطوارئ في المستشفى العسكري” من قبل جمهور إعتبره جنبلاط “متحمساً ومتهوراً”. إلا أن تغريدة جنبلاط في صلبها بمثابة تحذير لأبناء الطائفة الدرزية من جهات تحاول إظهارهم والترويج بأنهم خارجون عن القانون على الرغم من أن هذه العشيرة المعروفية من أكثر المكونات اللبنانية المقتنعة والمؤمنة بالدولة اللبنانية والكيان اللبناني، ولطالما كانت ضد التقسيم أو حلف الأقليات مثلاً الذي دفع كمال جنبلاط دماءه ثمن الوقوف في وجهه ورفضه.

جنبلاط الذي تحرك سريعاً لمعالجة الحادثة وتطويقها وسعى الى اطلاق الشيخة سريعاً الى جانب قيادات درزية أخرى، لا يخفي خوفه من مشاهد الاستقواء على الدولة في ظل تفشي إنحلال مؤسساتها الذي لا يخدم إلا “حزب الله” من جهة، ومخططات العدو من جهة أخرى. ولم يخش جنبلاط انتقاد ما حصل في المستشفى وان كان موقفاً غير شعبوي عشية الانتخابات النيابية.

مما لا شك فيه أن “الميني – انتفاضة” للدروز ليل الجمعة – السبت أتت نتيجة توقيف امرأة ملتزمة دينياً، وذلك لقدسية الزي الديني بالنسبة الى العشيرة الدرزية التي تؤكد أن لابسه ليس أبداً مواطناً فوق القانون أو بامتيازات معينة، الا أنه مؤمن بعقيدة تجعل منه مواطناً صالحاً يطبق القانون ولا يخون أرضه أو وطنه أو شرفه. ليبقى السؤال حول القضاء اللبناني الذي أراد توقيف الشيخة بدوي وسكت عن قضية عامر الفاخوري، كما يسكت اليوم ويُبرِّئ فايز كرم، الذي للمفارقة ترشح للانتخابات النيابية وكأنه بذلك يتحدى الدولة اللبنانية بقضائها وأجهزتها.

كل ذلك بالنسبة الى “التقدمي”، “عطل ثقة اللبنانيين بالقضاء”، وكان التعطيل في تحقيقات المرفأ خير دليل على تسييس القضاء الذي أوقف لبنانية طاعنة في السن وتغاضى عن كرم والفاخوري ومن أتوا بنيترات الأمونيوم التي فجرت العاصمة. ويبقى سؤالٌ جوهري حول القانون الجزائي اللبناني: هل سيتم تحديثه أو سيبقى يسطو على المواطنين والعدالة والكرامة الانسانية؟ ملف يُتوقع ان تفتحه مشيخة عقل الطائفة التوحيدية المنكبة على معالجة كل الثغرات التي يدفع المواطن ثمنها.

شارك المقال