الانتخابات والتغيير!

رامي الريّس

لعل البعض قد يعتبر أنه لولا القلق الشعبي العارم والضغوط الدوليّة لما كانت ثمّة حاجة الى تكرار معزوفة عدم القبول بتأجيل الاستحقاق الانتخابي المقبل والالتزام بإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة. ولكن الحقيقة أن السبب الحقيقي يتجاوز هذين الاعتبارين لأنه يذهب تلقائيّاً باتجاه القوى السياسيّة التي تعتبر نفسها مأزومة شعبيّاً في هذه اللحظة السياسيّة بالذات نتيجة فشلها الذريع في إدارة شؤون البلاد خلال السنوات المنصرمة.

لقد عبّر هذا الوضع المأزوم عن نفسه في الحراك الذي إنطلق في السابع عشر من تشرين. فالحركة الاحتجاجيّة الشعبيّة، على الرغم من أنها رفعت ذاك الشعار التبسيطي الذي يعمم بالتعمية عن المسؤولين الحقيقيين عن الأزمات المتلاحقة (“كلن يعني كلن”)، إلا أنها اتجهت تلقائيّاً نحو شخصيّة سياسيّة واحدة وصبّت جام غضبها عليها لأنها اعتبرتها تتحمّل قسطاً كبيراً من المسؤوليّة مع التيار الذي تقوده عمّا وصلت إليه البلاد من إنهيارات متتالية على مختلف المستويات.

لم تشفع المحاولات المتلاحقة للالتفاف على الاستحقاق الانتخابي تارة بالطعن أمام المجلس الدستوري وطوراً بافتعال قضيّة “الميغاسنتر” في توقيت متأخر وملتبس، في أن تؤدي إلى “تطيير” الاستحقاق الانتخابي كما كانت ترغب تلك القوى في العمق، على الرغم من أن رهاناتها في غير محلها لأن إستعادة الزخم في حضورها الشعبي لن يكون يسيراً على ضوء التجربة العمليّة في الحكم على مدى سنوات.

إن أي إستعراض سريع لدورات الفشل التي حققتها تلك القوى كفيل بأن يجعل المواطن يعي تماماً السلبيّات الكبرى التي ستتولد عن تجديد الثقة بتلك الأطراف التي تساهلت، إذا صح التعبير، في تسليم القرار الوطني المستقل إلى أطراف أخرى جرّاء الحصول على مكاسب سياسيّة آنيّة فئويّة صغيرة وتافهة قياساً إلى حجم الخسارة التي يتكبدّها لبنان نتيجة هذا السلوك السياسي الملتوي.

وماذا عن قطاع النفط والطاقة والكهرباء والغاز؟ ماذا حل بالوعود الورديّة عن إنضمام لبنان إلى نادي الدول النفطيّة؟ أين ذهبت الأكلاف التي تكبدتها الخزينة التي لا تقل عن أربعين مليار دولار لتوفير الطاقة؟ هل يذكر اللبنانيون كيف أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري تمكن سنة 1998 من توفير الكهرباء على مدار الساعة، واليوم أصبحت التغذية تقتصر على ساعتين؟ أليس ذلك نتيجة السياسات العبثيّة التي إعتمدت من قبل البعض وتمت تغطيتها من قبل البعض الآخر فقط من أجل تمرير المصالح المشتركة؟

اللبنانيون مدعوون الى الاقتراع بوعي وحكمة، فليمارسوا حقهم الديموقراطي بالاختيار، ولكن فليكن إختيارهم صحيحاً. الاختيار الصحيح لا يكون بالتعميم والتعمية، ولا يكون بتجديد الثقة بأولئك الذين دمروا المؤسسات وعطلوا الدستور وشلوا الاقتصاد. الخيارات السياسيّة واضحة، بل واضحة جداً.

شارك المقال