3 مسارات متوازية ترهن الانتخابات لتداعيات حرب أوكرانيا

وليد شقير
وليد شقير

بموازاة تصاعد حماوة المعركة الانتخابية، على الرغم من محاولات تأجيل الانتخابات، تارة باقتراح العودة إلى اعتماد الدائرة 16 (كي يقترع المغتربون لستة نواب من دول الاغتراب)، وأخرى باستعادة مطلب استحداث “الميغاسنتر” لاقتراع الناخبين خارج أماكن قيد نفوسهم، هناك من يبقي عينه على التغييرات الدولية التي أفرزتها حرب روسيا في أوكرانيا، والمواجهة بين موسكو وسائر دول الغرب، وتأثيراتها على يوميات اللبنانيين من جهة وعلى مستقبل البلد سياسياً من جهة أخرى.

ومع أن السواد الأعظم من الوسط السياسي لا ينوي منح رجال الفريق الحاكم في قصر بعبدا “فضيلة الشك” بالتهمة الموجهة إليه، بأن اقتراحاته و”التيار الوطني الحر” تهدف إلى تأجيل الانتخابات النيابية، لا أكثر ولا أقل، فإن العديد من القيادات السياسية يتصرف على أن الانتخابات ستجري في موعدها، ويعتبر أنه يفترض النظر إلى مجرياتها وفقاً لحسابات تتعدى الصراع السياسي المحلي، إلى انعكاسات التطورات الدولية على المنطقة ولبنان.

وفي اعتقاد أوساط مراقبة أن التطورات السياسية في البلد محكومة بتزاحم ثلاثة عوامل في الأشهر القليلة المقبلة:

الأول، أن خيار تأجيل الانتخابات قد يبقى في أذهان الفريق الذي يسعى إليه مع أنه فشل حتى الآن. بعض القادة السياسيين يعتبر أنه على الرغم من أن “حزب الله” أعلن مرشحيه، وكشف أمينه العام السيد حسن نصر الله عن خطته للتحالفات وخصوصاً مع “التيار الوطني الحر” وأطلق الماكينة الانتخابية، ويكرر قادته أنهم سيفاجئون العالم بتحالفاتهم الاستراتيجية، فإن موقف الحزب الضمني يبقى طي الكتمان لأن هناك ما يمكن أن يطرأ على الصعيد الإقليمي ويوجب هذا التأجيل. فالحزب أيد سعي حليفه “التيار الحر” إلى استحداث “الميغاسنتر” على الرغم من معرفته أن حليفه الآخر الرئيس نبيه بري، وسائر الفرقاء الممثلين في الحكومة وخارجها، لن يقبلوا به لأنه يقود مباشرة إلى تأجيل الاستحقاق الذي يفضي حكماً إلى التمديد للبرلمان الحالي. وحسب وجهة نظر هؤلاء القادة أن الحزب يبقي القرار معلقاً إزاء هذا الخيار، فإذا احتاج الأمر السير به فإن “عدة الشغل” العونية جاهزة. ومن غير المتوقع أن يجاهر فريق “التيار الحر” برغبته في التأجيل، نظراً إلى التهديد الدولي المتواصل بفرض عقوبات على المسؤولين الذين يلجأون إلى هذا الخيار.

أما العامل الثاني الذي يسير بموازاة المحاولات المتواصلة لتأجيل الانتخابات، في رأي القيادات نفسها، فهو التأثيرات الدراماتيكية لأزمة الاقتصاد العالمي جراء الحرب في أوروبا على النقص في مواد أساسية كان لبنان يعاني من صعوبات وما زال، في تأمينها. ويخشى أصحاب هذا الرأي من أن ما جرى على صعيد لعبة ارتفاع سعر صرف الدولار الأسبوع الفائت، والارتفاع الجنوني في أسعار بعض السلع ولا سيما المحروقات، وانعكاس ذلك على الكهرباء في شكل ينذر بالعتمة، ينذر بوضع مأساوي يفوق ما شهده البلد حتى الآن. ويسأل أحد النواب في هذا السياق: إذا تعذر على مصرف لبنان صرف المزيد من الدولارات المتبقية في المصرف المركزي من أجل تأمين العملة الصعبة لمستوردي القمح والمحروقات والمواد الغذائية، والأدوية التي سبق أن قيل بأنه جرى اجتراح الحلول لها، وتضاعفت أسعار هذه المواد كافة في الشهرين المقبلين، وبلغ سعر الصرف مستوى قياسياً لم نشهده من قبل، فمن سيذهب إلى صناديق الاقتراع وكيف يمكن إجراء الانتخابات؟ أي أن أصحاب وجهة النظر التي تستريب بلعبة تيئيس اللبنانيين من قدرة البلد على مواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا على أوضاعهم المعيشية، تخشى من أن تقود الظروف الحياتية إلى تأجيل تلقائي للانتخابات، بحجة انعكاسات الحرب الاقتصادية على دول العالم كافة، وبالتالي فإن لبنان الأكثر ضعفاً بحكم أزمته المالية، عرضة لتعطيل الحياة العامة فيه جراء انهيار كامل لكل الخدمات فيه.

العامل الثالث الذي يستدعي المراقبة في نظر أوساط سياسية ترصد التداعيات السياسية لحرب أوكرانيا إقليمياً، ولبنانياً، هو المسار الذي ستسلكه العلاقة الأميركية – الإيرانية جراء المواجهة بين الغرب وروسيا، وتأثيره على المفاوضات الأميركية – الإيرانية في فيينا، التي توقفت بسبب الشروط الروسية بالحصول على ضمانات بعدم تأثر علاقة موسكو التجارية والاستثمارية مع طهران بالعقوبات التي تفرضها دول الغرب ضد روسيا. وإذا كانت موسكو نجحت، عبر طلبها الضمانات، ولو مؤقتاً في تجميد الاتفاق الذي قال مسؤول السياسة الخارجية والأمن جوزيبي بوريل أن نصه جاهز على الطاولة، كرد منها على العقوبات الأميركية والأوروبية الموجعة، فإن طهران بدورها تستغل مستجدات الصراع الدولي من أجل تحسين شروطها في هذا الاتفاق. فهي استعادت طلبها ألا يقتصر رفع العقوبات عنها على قطاع النفط والصلب والتعاملات المالية، بل ليشمل “حرس الثورة” وقادته والصناعات العسكرية التي يموّلها. لكن الأمر قد لا يقف عند هذا الحد في نظر قيادات ترصد إمكان اتجاه دول أوروبا، وبعض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، نحو السعي إلى اجتذاب طهران بعيداً من موسكو، عن طريق العمل على تعويض الغاز الروسي لأوروبا، مما تنتجه مع دول أخرى على الرغم من أن كلفته قد تكون أعلى. وهذا قد يقود إلى اتفاق سياسي بين إيران وواشنطن يؤدي إلى إطلاق يدها في لبنان والعراق، والتوصل إلى تسوية معها في اليمن مع تقاسم النفوذ والإبقاء على ستاتيكو في سوريا.

وفي هذه الحال، حسب الأوساط التي ترصد هذا الاحتمال، لن يقف “حزب الله” مع تأجيل الانتخابات، بل سيعمل على تكريس يده العليا عبر عمليات الاقتراع مستخدماً شتى الوسائل، ومستفيداً من تشتت القوى السياسية المعارضة له وضعفها، بحيث يحصل على الأكثرية في البرلمان المقبل ما يسهل له الإتيان بحكومة ترجح الكفة فيها لمصلحته، وبرئيس للجمهورية يكون مطواعاً له، فيثبّت نفوذه في المؤسسات الدستورية.

هذه المخاوف قد تعاكسها وقائع أخرى أبرزها أن هناك معارضة قوية في الكونغرس الأميركي لعقد صفقة بين واشنطن وطهران تتعدى الاتفاق على النووي.

شارك المقال