تلازم الخراب اللبناني السوري!..

اكرم البني
اكرم البني

هو تلازم لا يقف عند التدهور المتواتر في عملتي الدولتين وقد وصلتا الحضيض، أو عند تناغم ظواهر الفساد والاإفساد وأوضاع اقتصادية ومعيشية لم تعد تطاق، أو عند تماثل الاستهتار والإهمال السلطويين في حماية الناس من جائحة كورونا، أو هدر حقوق ملايين الأطفال في الحصول على فرص التعليم والرعاية، كما لا يقف عند هجرة نصف أعداد السكان في البلدين، إن من السوريين خوفاً من القمع والتدمير والاستباحة، وإن من اللبنانيين بحثاً عن لقمة عيش كريمة التهمها تضافر التمييز والقهر والفساد، بل امتد حتى تخريب حيوات البشر وتفكيك روابط العيش المشترك، وتسييد منطق القمع والإقصاء وتغذية ظواهر الحقد والبغضاء، ما أفقد المجتمعين مئات الألوف من الكفاءات العلمية والمهنية، وأفرغهما من أية أفعال سياسية وطنية حقيقية، وأشاع إحساساً عاماً بدأ يتملك السوريين واللبنانيين، وإن بدرجات متفاوتة، بأن الاجتماع الوطني لكل منهما ذاهب نحو التفكك والارتهان، وبأن الانتماء والهوية اللذين كانا موضع فخرهم واعتزازهم صارا إلى زوال، فكم هو مؤسف ومقلق أن تلمس كيف صار اللبنانيون والسوريون يعيشون تاريخهم وحياتهم من أجل جماعات عرقية أو طائفية أكثر مما يعيشون من أجل همومهم الوطنية؟ وكم هو مؤلم ومخيف أن تتصدر المشهد طوائف وشيع وملل دينية باتت تقرر مصير البلاد ومستقبلها؟!.

والنتيجة، كل شيء يذهب بسرعة في سورية ولبنان نحو الأسوأ، مؤسسات الدولة والوطن والأمن، تماسك المجتمعين والروابط الأهلية والإنسانية، شروط الحياة والأوضاع الاقتصادية والمعيشية، قيمة البشر وحقوقهم البسيطة، وكأن الشعبين باتا على موعد مشترك، ربما تم تحضيره لهما عمداً، لتذوق مرارة الخوف والعوز والتشرد والضياع.

هذا المطر من ذاك الغيم.. ولم يأـت تلازم خراب السوريين واللبنانيين من سماء صافية، ولنقل ما كان ليحصل لولا سيطرة طرفين متحالفين على مقدراتهما ومصائرهما، ونقصد النظام السوري وحزب الله، اللذين سوغا لنفسيهما الوصاية على المجتمعين واعتمدا لغة القهر والغلبة والعنف والاعتقالات والاغتيالات لفرض سيطرتهما… والأسوأ أنهما رهنا الوطن والمجتمع والدولة لمشروع خارجي، تجسده سياسة ملالي إيران التوسعية ومأربهم في تصدير ما يسمونه ثورتهم… مشروع أناني يجاهر أصحابه زيفاً بنصرة المستضعفين في الأرض بينما يزدرون حقوق المواطنين اللبنانيين والسوريين وحاجاتهم البسيطة ومستلزمات عيشهم، والأهم أنهم لا يهتمون ببناء أوطان يعتز بها، بقدر ما يهمهم تحويلها إلى أوراق قوة يستثمرونها في معارك تعزيز السيطرة الداخلية والتنافس على النفوذ الإقليمي، حتى لو أدى الأمر الى تفتيت هذه الأوطان طائفياً، وزرع التفرقة والحقد بين أبنائها متوسلين رايات مذهبية وأذرعاً عسكرية منفلتة من كل وازع أو رادع، غرضها إرهاب وتدمير خلايا النمو والتجدد في المجتمع وجعله خانعاً وذليلاً، من دون أن يرف لهم جفن للأثام التي ترتكبها أياديهم، ولا يغير هذه الحقيقة بل يؤكدها اعتماد هؤلاء الغزاة على خطاب أيديولوجي يقوم على استثارة العواطف الوطنية وإشعال فتيل الحماسة في مواجهة الأجنبي، وعلى شعارات تحرير فلسطين ومواجهة الصهيونية والتصدي للشيطان الأمريكي الأكبر التي كشف الناس زيفها وعافتها نفوسهم، هادفين مع أدواتهم لإبقاء تلك الأوطان في حالة استنفار، ولنقل في وضع طوارئ استثنائي مزمن يشغلها عن إنجاز مهامها التنموية ويسهل أمامهم امتصاص خيراتها وثرواتها.

لا يختلف اثنان على أن ما بين سوريا ولبنان علاقات وروابط يندر ان تتوفر بين شعبين، فعداكم عن التاريخ المشترك الزاخر وقوة التداخل الجغرافي والديموغرافي، وعداكم عن أواصر القربى والمصاهرة الواسعة وتقاليد اجتماعية متشابهة تجذرت عبر الأجيال، هناك المعاناة المريرة المشتركة والمصير الواحد الذي جمعهما معاً ولا يزال، معاناة قهر وتمييز وفساد، امتد أحد وجوهها المعاصرة ثلاثة عقود متواصلة، منذ دخول الجيش السوري الى لبنان عام / 1976/ لفرض سيطرته ووصايته على هذا البلد والتحكم بمقدراته ومصائر أهله.

والحال، فإن تلازم الخراب ربطاً بتحالف ووحدة مصالح وأهداف المخربين، فرضت تلازم بين مصير البلدين وأكدت أن خلاص ومستقبل كل منهما يرتبط بالآخر، بدليل العديد من المحطات التاريخية التي حوصر فيها مسار التغيير نحو مجتمع الديمقراطية لأحدهما وأجهض بسبب تعاضد القوى المضادة له في البلدين معاً، فالشأن اللبناني صار في أكثر من وجه ومعنى شأناً سورياً والعكس صحيح، وبدا مطلب رفع الوصاية عن الشعب اللبناني خلال الثلاثين عاماً من سيطرة الجيش السوري على لبنان، صنو الدعوة لرفع الوصاية عن الشعب السوري وإطلاق دوره في الحياة العامة، ما يعني أنه لا يمكن النظر إلى مسار عملية التغيير ونصرة حقوق الإنسان والاستقلال والديموقراطية، في أحد البلدين بمعزل عن مسارها في البلد الآخر، وهو ما أكدته الوثيقة التي بدأ الإعداد لها من قبل مثقفين لبنانيين وسوريين في مثل هذه الأيام وصدرت في حزيران عام / 2006 / تحت اسم وثيقة إعلان بيروت – دمشق، دمشق – بيروت، وأكدت أهمية العوامل الموضوعية والتاريخية للتلازم والتعاضد وتشارك المصير، كما أولوية العمل لبناء علاقات متحررة من كل قهر وتمييز وتعالٍ، بين الشعبين وبين أبناء الشعب الواحد.

ربما هو أضعف الإيمان تغذية شعور السوريين واللبنانيين بأنهم في الهوى سوا، وبأن طريقهم متضافرة للخلاص من استمرار دوامة التخريب والموت والإفناء، وبأن ثمة حاجة مشتركة لتنسيق جهودهم ضد المشروع الإيراني في لبنان وسورية وأدواته، المتمثلة بسلطتي البلدين وحليفهما المشترك حزب الله، بما يفضح الأسباب الحقيقة التي أوصلتهم إلى هذا الخراب، والأهم نشر ثقافة تؤكد دون تردد أو تهاون بأن الأعلى والأنبل في دنيانا هو الكائن الإنساني أياً يكن رأيه أو انتماؤه أو منبته، ثقافة تظهر موقفاً مبدئياً ضد منطق الغلبة والإكراه وضد أي خطاب إيديولوجي مسطح يحتقر حقوق الإنسان ويستسهل قتل البشر وسفك الدماء لأغراض سياسية أو دينية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً