“14 آذار” الفكرة تقاوم… وغرفة عمليات مملوك لاسقاط السياديين

عبدالله ملاعب

لا تاريخ محدداً لفكرة الرابع عشر من آذار التي شكل إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرافعة الحقيقية لها على الرغم مما حمله للبنانيين من جوع ووجع وخوف يلاحقهم الى اليوم، بل أوصلهم الى هنا. هي “14 آذار” الفكرة، التي ما كانت لتحقق هدفها الأم بإلغاء الوصاية السورية على لبنان لولا اجتماع الوطنيين من أحزاب وقوى سياسية وزعامات وكتاب وصحافيين وطلبة وعمال لانهاء غطرسة النظام الأمني السوري – اللبناني الذي راح يستشري في الدولة اللبنانية منذ كانون الثاني 1976، يوم دخل الجيش السوري الى لبنان تحت غطاء جامعة الدول العربية بهدف وضع حد للحرب الأهلية والنزاع العسكري القائم واعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل العام 1975 لكنه ظل يتقلب بين الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية. فاغتالت إستخبارات حافظ الاسد منذ خمسة وأربعين عاماً في 16 آذار 1977، رئيس الحركة الوطنية وزعيم الحزب “التقدمي الاشتراكي” كمال جنبلاط عبر ضباط سوريين، رقي أحدهم بعد الجريمة الى مدير عام للاستخبارات الجوية. كما اغتالت قيادات من الصف الأول في الجبهة اللبنانية كالرئيس بشير الجميل.

14 آذار فكرة، ربما راودت عدداً من اللبنانيين منذ ما قبل الطائف ضد من رأى لبنان حديقة خلفية لبلده. لكن خيوط هذه الثورة، ظهرت بعد اتفاق الطائف الذي أوصى بخروج القوات السورية من لبنان على الرغم من عدم ربط هذه التوصية بمهلة زمنية.

تنفيذ فكرة الرابع عشر من آذار كان بحاجة الى تقارب حقيقي بين القوى السياسية والروحية لانشاء “خط سيادي” يقف في وجه النظام الأمني السوري – اللبناني وأدواته، إذ يجمع خصوم الأمس الذين تقاتلوا واختلفوا على دور لبنان في محيطه العربي، والتزاماته العربية، وحتى الرؤى الاقتصادية الاجتماعية، لكنهم اجتمعوا على ضرورة تحرير لبنان. فكانت أولى خيوط التنفيذ بيان المطارنة الموارنة في العام 2000 الذي لاقاه وليد جنبلاط فحصلت المصالحة التاريخية التي جمعت في آب العام 2001 المسيحيين والدروز عبر رأس الكنيسة المارونية المتمثلة بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير والزعيم وليد جنبلاط. مركزية هذه المصالحة لجهة اعادة النسيج الجبلي والوحدة بين اللبنانيين، لا تلغي حقيقة أنها كانت الخطوة الأساس لتعبيد الطريق أمام مقاومة سياسية شعبية حقيقية قوامها الحرية والاستقلال. وكان رفض التمديد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود في أيلول 2004 أبرز مظاهر المقاومة البرلمانية إذ صوّت 29 نائباً ضد اقتراح الحكومة آنذاك لتعديل الدستور والتمديد للحود أحد وجوه النظام السوري في لبنان.

ترجمت هذه المقاومة النيابية في ساحة الشهداء بعد توجه النظام الأمني السوري – اللبناني الى القتل بسيارات مفخخة بدأها مع مروان حمادة “الشهيد الحي” في الأول من تشرين الأول 2004، بعد أسبوعين على استقالة وزراء الحزب “التقدمي الاشتراكي” من الحكومة بسبب التمديد للحود الذي اعتبره جنبلاط آنذاك “قراراً تافهاً سيدخل البلاد في دوامة عنف سياسي”.

وكما الكنيسة المارونية ووليد جنبلاط، وقف رفيق الحريري في وجه النظام الأمني السوري – اللبناني. عمل على القرار الأممي 1559 الذي قضى باحترام السيادة اللبنانية عبر خروج كل القوات الأجنبية والميليشيات كرمى لحق اللبنانيين في تقرير مصيرهم، وقدم استقالته من رئاسة الحكومة وعزف عن السياسة بكلمات سمعناها منذ بضعة أشهر من ابنه سعد الحريري: “انني أستودع الله هذا البلد الحبيب لبنان، وشعبه الطيب”.

عزف رفيق الحريري وشُكلت حكومة عمر كرامي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ دائماً يوجد البديل عن الأصيل، ودخل الى جانب جنبلاط الى المعارضة السياسية من بابها العريض.

ثورة 14 آذار، أسقطت حكومة عمر كرامي، أخرجت قوات الجيش السوري، وحدت اللبنانيين بقضية وطنية، أنتجت قوى الثامن من آذار التي شكرت سوريا فبانت على حقيقتها. وأهم من كل ذلك، كسرت جدار الخوف لدى اللبنانيين الذين خلعوا طائفيتهم هناك، واجتمعوا “مسلمين ومسيحيين دفاعاً عن لبنان العظيم”.

فكرة 14 آذار لا تزال قائمة الى اليوم، وهي لا تموت، بل ضرورة استمرارها أمر حتمي فلا السيادة تحققت ولا مطامع النظام السوري الذي يلتقط أنفاساً ضعيفة إنتهت.

لبنان اليوم يواجه عقبات أشد خطورة على الدولة اللبنانية والكيان اللبناني، إذ يُمزَّق ويُفرَّغ من مقوماته وخصائصه بفعل سيطرة المحور السوري – الايراني الهادف اليوم الى مأسسة عملية الخطف عبر المجلس النيابي.

وفي السياق، أوضحت مصادر مطلعة على ملف الانتخابات النيابية أن السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي “يدير غرفة عمليات بتوجيه من اللواء علي مملوك لمحاربة السياديين وإسقاطهم”.

المشهد الأكثر وضوحاً لعمل غرفة العمليات هذه، يتمثل بما يحصل اليوم في دائرة راشيا – البقاع الغربي حيث يريد مملوك إسقاط مرشح الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب وائل أبو فاعور بأي ثمن. فالى جانب إتصال علي شخصياً بمرشحين في المنطقة لنهيهم عن الترشح على لائحة “التقدمي” وجمهور تيار “المستقبل”، تتواصل غرفة عمليات مملوك مع فاعليات كانت تمتلك علاقات سابقة مع مسؤولين سوريين لتحذيرهم من مغبة الاقتراع لأبو فاعور، وتبتز بعض المواطنين اللبنانيين الذين توضع أسماؤهم على الحدود اللبنانية – السورية، إذ يخيّرون بين التصويت لمرشح سوريا عن المقعد الدرزي طارق الداوود أو يمنع دخولهم مجدداً. اضافة الى إستغلال تحكمهم بخط التهريب بين لبنان وسوريا من قبل “حزب الله” في الجانب اللبناني، والنظام السوري من الجانب السوري في المنطقة الممتدة بين شبعا في جنوب لبنان وقرى منطقة راشيا المتاخمة للحدود اللبنانية – السورية، فحتى التهريب على هذا الخط يُستثمر لإفشال لائحة “التقدمي” وإسقاط مرشحه عبر حماية عميات التهريب للجماعات المحسوبة على النظام السوري و”حزب الله”.

شارك المقال