عودة جبران باسيل من المهجر

الراجح
الراجح

الفترة التي شهدت التلاقح بين العصر الفرنسي المتصل بعصر النزعة الى الاستقلال في لبنان وما بعدها، كانت حافلة بالأدب الساخر وخاصة من خلال كتابات اسكندر الرياشي “الصحافي التائه”.

في زمانه كانت المنافسات السياسية بين الاتجاهات السائدة يزبكي وجنبلاطي، قيسي ويمني، ثم بين دستوري وكتلوي، ثم بين شمعوني ويساري من دون الوصول الى ما هو “عوني” و”جعجعي”، ولا لزوم لأن يحشر الانسان نفسه على الدوام في المنازعات السياسية والانتخابية والطائفية والمذهبية الضيقة. بل انه وبسبب ثقافة اعتمدت على قراءات متجذرة أقرب الى رؤية طبيعة الصراعات المحلية والعربية والدولية من خلال اطلاع استثنائي على هذه الصراعات التي كتب فيها وعنها عشرات الأطروحات.

نحن ننتمي الى جيل ترعرعت فيه أفكار كبرى أتيح لها أن تحكم عالماً شاسعاً من فوق جبال “الأورال” الى روسيا الى ألاسكا أميركا جالبة الديموقراطية التي تهالكت ومعها تكسرت “مبادئ” و”عقائد” و”مناقبيات” و”قيم” فتراجع اليسار لقلة عدالته وتأخر تقدميته وندرة حريته الى… ذكريات! بعدما داهمت شبابه وعزه شيخوخة مفاجئة في شبه “سكتة فكرية” أورثت عقلية عظيمة السخافة، متدنية الثقافة، ناقصة العلم، مائعة النفسية، مبلبلة الفكر، فماذا يصلح بها أو يصلحها، غير توترات وحالات عصبية يطلق عليها علماء النفس اسم “العونية”؟

وسط هذا الكرنفال الحافل بالحزن، والمهرجان الجياش بالبؤس عاد جبران باسيل من المهجر ليشاهد وطنه المنهار بسبب عهد جهنمي، فقرر الدعوة الى الثورة على كل شيئ ليعيد بناء الوطن بالكهرباء والسدود من دون أن ينسى المصارف وأموال المودعين والأهم من ذلك كله الحريات (بالإذن من محمد نمر) ولم يترك شيئاً إلا وأشار اليه لينتهي بسؤال كبير افتراضي “حيث قال: افترضوا أنهم ربحوا الانتخابات وصاروا الأكثرية الوهمية رح ينزعوا سلاح حزب الله أو يمنعوه يدخل الحكومة؟”، وكأنه يقول لا حل إلا بنزع هذا السلاح وأن كل الخراب هو بسبب وجود هذا الحزب داخل الحكومات!! إلا اذا كان الاغتراب لسنوات طويلة أفقده القدرة على التعبير وأضعف فهمه للغة العربية…

يرى الانسان البالغ الانفعال والتفاعل والاحساس والتحسس والترصد والتنبه والتواصل كيف تحشره الأحداث والتغييرات والتطورات في نمط من الحياة شبيهة بحالة القلم في المبراة فلا يعود يملك سوى أن ينفجر بسخرية لا يدرك معناها ومرماها إلا مَن يعانيها أو مَن قرأ بعمق مأثور سقراط “السخرية رأس الحكمة”.

كل مَن راقب جبران ويراقب ما يجري من محاولات لركوب “حصان السلطة” مدعياً أنه الفارس المنقذ القادم لملء الفراغ وصناعة المعجزات. يدفعنا الى دعوة هؤلاء لقراءة الأسرة الخازنية رشيد ويوسف الخازن (الذي تروي مجلة “المعرض” لميشال زكور عنه أن صديقاً له رأى سيدة جميلة تركب حصاناً وقال ليتني كنت حصاناً، فأجابه يوسف “ولماذا تتعب نفسك بعمل أعجوبة، اسألها لعلها تركب حماراً!”).

شارك المقال