كم الأفواه

عالية منصور

قد تكون عبارة الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أرويه المعروف بـ”فولتير” هي أكثر العبارات تعبيراً عن حقيقة ايمان الانسان بقيمة حرية الرأي والتعبير: “قد أكون مختلفاً معك في الرأي، ولكني مستعد للموت دفاعاً عن حقك في إبداء رأيك”. وان كان البعض يجد فيها بعض المبالغة، الا أنها تكاد تكون الأصدق للتعبير عن حق الانسان بابداء رأيه بحرية.

عندما قرات خبر استدعاء الزميل محمد نمر، رئيس تحرير موقع “لبنان الكبير”، من قبل المباحث الجنائية المركزية في قصر العدل، على أثر إخبار من رئاسة الجمهورية، لم أستغرب، فمنذ وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا تراجع منسوب الحريات في بلد الحريات، حتى يكاد لا يمر أسبوع من دون أن نسمع عن استدعاء صحافي أو مدون او حتى ناشط على صفحات التواصل الاجتماعي، أو رفع دعاوى على كتّاب بسبب آرائهم، هذا عدا عن الاعتداءات التي تعرض ويتعرض لها الصحافيون، فقد وثق “مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية- سكايز”، على سبيل المثال تعرّض 106 اعلاميين للاعتداء من جهات غير حكومية بين تشرين الأول 2019 وآذار 2021 وبقيت جميع هذه الاعتداءات من دون محاسبة.

اذاً من يعتدي على الصحافة لا يُلاحق، والصحافي صار يُلاحق مِن قبل من تنص واجباتهم على حماية وتطبيق الدستور الذي يكفل حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة.

ولأن لبنان الذي عرفناه يوماً بلد الحريات، فقد كان التضامن مع نمر من كثيرين ممن لا يزالون يؤمنون بمقولة فولتير، ولكن على الرغم من كل التضامن استوقفني موقف بعض ممن رفضوا التضامن، وأعني أنهم فعلاً رفضوا التضامن، بسبب اختلاف في الرأي، وإن كان يفترض أن الطرفين في صف واحد وإن اختلفا.

منذ اغتيال كامل مروة وسليم اللوزي وجبران تويني وسمير قصير الى اغتيال لقمان سليم، كان القاتل معروفاً. منذ انتفاضة الاستقلال الثاني التي مرت ذكراها الـ17 قبل أيام والغالبية العظمى من الصحافيين المهددين والملاحقين والذين تم اغتيالهم ينتمون الى خط سياسي معارض للنظام السوري ولسلاح “حزب الله”، وهذا ما جعلني أظن أن جميع من يدعون انتسابهم الى هذا الخط السيادي المنادي بالحرية والديموقراطية سيكونون وبشكل تلقائي من أوائل المتضامنين لا مع نمر لشخصه ولكن مع حرية التعبير والرأي والصحافة، وكنت مخطئة.

لقد اعتبر البعض أن خلافات سياسية بين من هم من المفترض أبناء الخط السياسي السيادي الواحد كافية لكي يعتبروا أن القضية لا تعنيهم، وأي قضية، قضية حريات.

وهنا لا بد من أن نسأل من رفض التضامن مع حرية الصحافة، كيف يدّعي أنه على نقيض مع العهد؟ وكيف لنا أن نصدق أن من يبرر استدعاء صحافي من قبل المباحث الجنائية يختلف كثيرا عن “حزب الله”؟ هل هؤلاء هم من يعدون الناخب بأن لبنان سيعود سويسرا الشرق وبلد الحريات إن هم فازوا في الانتخابات بعد أشهر قليلة؟ فمسألة الحريات ليست مسألة هامشية في الصراع مع “حزب الله”، بل تكاد تكون جوهر الصراع.

في كل الأحوال، قد يكون من المفيد اجراء احصاء بسيط وهذه المرة بعدد الشكاوى التي قدمت ضد كتّاب وصحافيين بسبب آرائهم ومن هم المتقدمون بهذه الدعاوى، فالرصاص ليس الوسيلة الوحيدة لمحاولة إسكات أصحاب الرأي. كثيرون يرغبون بكم الأفواه ولحسن الحظ لا يملكون الرصاص.

شارك المقال