الرابطة المارونية بين المحاصصة والأنانية… ضاعت المسؤولية

هيام طوق
هيام طوق

في شهر آب سنة 1952، تأسست الرابطة المارونية من قبل نخبة من رجال الفكر والاختصاص، تعمل وفق خارطة طريق تهدف الى الضغط باتجاه دعم لبنان الحر المستقل التعددي والديموقراطي حيث يتمتع جميع المواطنين بالحقوق والواجبات بطريقة متساوية لازمة لاستمرارية العيش المشترك وتعزيز السلم الأهلي في الوطن، والحفاظ على دولة لبنان الكبير. ويعتبر رئيس الرابطة مخوّلاً بالحديث باسم المجتمع الماروني بأكمله في لبنان. وعلى الرغم من أن الرابطة حركة علمانية إلا أنها تعمل ضمن ثوابت الكنيسة وتمثل الجناح السياسي للسلطة البطريركية.

وتوصف الرابطة غالباً بأنها “مجموعة نخبوية” مارونية بشكل حصري، وعضويتها تكون “تلقائية” للشخصيات البارزة في القطاعين العام والخاص، وتضم رؤساء دولة سابقين ونواباً ووزراء وديبلوماسيين، ويتم قبول 60 عضواً جديداً في الرابطة فقط كل عام.

المؤسسة التي مضى على تأسيسِها سبعونَ عاماً، تراجع دورها، وافتقدت رونقها وروح مبادرتها، وتمت ضبضبة الملفات والشعارات الرنانة في الجوارير خاصة في السنوات الأخيرة بعد أن اتهمت بأنها تحولت الى فريق سياسي، ولم تعد جمعية تعمل تحت سقف الثوابت الوطنية.

وفي يوم انتخابات الرابطة المارونية، يرى كثيرون أن الموارنة في أزمة سياسية غير مسبوقة وفي حالة تشرذم كبير بسبب خلافاتهم وانقساماتهم السياسية، ولعل أخطر ما في الأمر أنهم يختلفون على مفهوم الجمهورية والدولة، ويتصارعون كما يقول بعض رجال الفكر والدين، على رئاسة “فتات” جمهوريّة.

وفي حين ترفع الرابطة شعارات وطنية، وتضم نخبة من الطائفة المارونية، يتحدث أحد المسؤولين، الذي واكب عملها منذ سنوات، لـ “لبنان الكبير” عن أن “التعاطي مع الرابطة أصبح يصب في خانة الـprestige، وأفرغوها من مسؤولياتها المهمة تجاه لبنان والطائفة، إذ أن بعض من فيها حوّلها الى مؤسسة خاصة تنطق باسم فريق معين، وتناسى أن الطائفة المارونية ليست ملكاً لأحد ولا يحق لأي تيار أو حزب أو طرف أن يتخذ قرارات باسمها. ولعل التشرذم على الساحة المارونية انسحب تشرذماً ووهناً وضعفاً على الرابطة التي تغاضت عن أداء دورها الفاعل على الصعيد الوطني وعلى الصعيد الخارجي في دول الانتشار. نحن نعيش أزمة تفريغ المؤسسات الخاصة بالموارنة من مضمونها، وهذا ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم”.

“وعلى الرغم من أن عدداً من الأعضاء ترفع له القبعة، الا أننا في الوقت نفسه نفتقد عمل الرابطة على أرض الواقع”، بحسب المسؤول الذي يسأل: “أين هي الرابطة التي يجب أن تكون ضمير الموارنة من الخلاف القائم بين الأحزاب الموارنة؟ لماذا لا تجمعهم وتضع خطوطاً حمراً أمامهم لا يمكن تخطيها؟ لماذا لا تلعب دور الوسيط بحسب التسمية وتكون المصلح بين المختلفين؟ لماذا لا ينشّطون تواصلهم مع البطريركية لمعالجة القضايا اليومية التي تهم الشباب الذين ينتظرون على أبواب السفارات بعد أن أقفل المسؤولون كل الأبواب في وجههم؟ لماذا لا تتحول الى واحة تنشئة الشباب وتعليمهم في الجامعات والمدارس، وتزودهم بمبادئ المسؤولية وأصولها واحترام مواقع القرار، ليصبحوا في يوم ما سياسيين ناجحين لأن ما نعانيه اليوم سببه وصول أناس الى مراكز المسؤولية لا يتمتعون بأدنى مقومات الكفاءة والمسؤولية؟”.

وبسبب كل ذلك، يشير المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، الى “أننا بتنا نرى الكثير من الروابط التي تنشأ مع العلم أن الرابطة المارونية يجب أن تكون الحاضنة للجميع ونحن بأمس الحاجة اليها، ووجودها جيد ولكنه ليس صحياً أن لا تلعب دورها الحقيقي، ويبقى الاهتمام الأول والأخير السباق نحو الكراسي، والجلوس في الصفوف الأمامية”.

ويتحدث عن المرشحين من زوار بكركي التي “تستقبلهم جميعاً وتدعمهم وتشجعهم على العمل الا أنها لا تدعم أحداً على حساب الآخر، بل تترك العملية الديموقراطية تسير بشكلها الطبيعي. ولكن حبذا لو تكون الرابطة متعاونة أكثر مع البطريرك، وتكون امتداداً للبطريركية في العمل المدني والسياسي والاجتماعي. واذا كان هناك من يفكر برابطة مارونية خارج البطريركية فيصلح وصفها حينها بالأغنية المارونية وليس بالرابطة المارونية”.

ويشدد على وجوب “أن يتمتع رئيس الرابطة بمزايا وصفات منها أن يكون محايداً وليس لديه تاريخ حزبي أو شارك في صفقة محاصصة، ويحظى باحترام الجميع ويمون عليهم بحكم أخلاقه الرفيعة وقدرته على التواصل مع الأطراف في الداخل والخارج، ويتمتع بحس المبادرة ويجلب المشاريع لتوظيف الشباب”، سائلاً “ان كان يمكن لبعض المرشحين أن يخلعوا عباءتهم الحزبية والسياسية لأن تجيير الرابطة الى فريق سياسي يخفت من وهجها أكثر فأكثر”. وتمنى أن تجري الانتخابات اليوم “بديموقراطية وشفافية ورقي بعيداً من التجييش”، داعياً الى “أن يحكموا ضمائرهم في انتخاب رئيس للرابطة ليسترجع دورها التاريخي”.

وبالعودة الى الانتخابات التي تجري اليوم، فقد وُصفت بـ “الحامية”، وواكبتها حركة اتصالات مكثفة، وما يكسبها اهتماماً خاصاً أنها تتزامن مع معركة الانتخابات النيابية التي ستكون على أشدها عند المسيحيين وخاصة الموارنة منهم، وربما ستعبّر انتخابات الرابطة عن المزاج الماروني في الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل على الرغم من أن كل المرشحين والأعضاء يشددون على أن الرابطة ستبقى بعيدة عن النزاعات السياسية، وأن الخلاف بين التيارات والأحزاب لن ينسحب على الثوابت الوطنية والعناوين العريضة للرابطة.

وبعد إقفال باب الترشيحات، رسا التنافس على 3 لوائح: لائحة “رابطة لبكرا” برئاسة غسان خوري الذي خاض انتخابات رئاسة الرابطة قبل ثلاثة أعوام، ولائحة “تجذر وصمود” برئاسة نائب رئيس الرابطة الحالي السفير خليل كرم، ولائحة “موارنة من أجل لبنان” برئاسة بول كنعان .

ويتوجه ٨٨٩ ناخباً من الذين سددوا اشتراكاتهم لانتخاب مجلس تنفيذي جديد يخلف المجلس الحالي المنتهية ولايته برئاسة النائب السابق نعمة الله أبي نصر، ويتألف من رئيس ونائب رئيس و15 عضواً، وتمتد ولايته لثلاث سنوات. ويدير الرابطة المجلس التنفيذي المكون من 17 عضواً منتخباً، برئاسة الرئيس ونائب الرئيس وبمساعدة أمين عام وأمين صندوق يتم اختيارهما من الأعضاء المنتخبين في المجلس. وهناك جمعية عامة تابعة للرابطة مكونة من الأعضاء كافة.

شارك المقال