تيمور جنبلاط… سيّد قصر “الانسان”‎‎

عبدالله ملاعب

يستمد الحزب “التقدمي الإشتراكي” زخمه من العلاقة التي تجمع جمهوره بدار المختارة، فإن لمس هذا الحزب تهديداً يعود الى هذه الدار التي منها انطلق. هي علاقة تاريخية لدار المختارة التي لطالما كانت أبوابها مشرًّعة أمام “الانسان” بكل ما يحمل هذا المصطلح من معاني روحية وفلسفية وإجتماعية فنَّدها كمال جنبلاط وانطلق منها ليرسي حزباً أطلقه في يوم العمال في العام تسعة وأربعين، فكان “الانسان” صلة الوصل بين زعامة بنت قيادتها في محتلف المحطات التاريخية وفي وسط الدار مدرسة ومكتبة ومسجداً ومطحنة قمح وقاعات واسعة للقراءة والكتابة والمناقشات، وأخرى لمتابعة الوثائقيات والأفلام السياسية والاجتماعية، كان قد خصصها كمال جنبلاط لتنوير الناس وتحويل الجماعة الى مواطنين في دولة والتفريق بين الأمة والوطن والكيان في أوج عصب الوحدة العربي.

من عقل وحكمة “الجنبلاطية” التي احتضنت الانسان، انبثق حزب كمال جنبلاط، من هذه الدار التي حدَّث فيها المُعلِّم مفهوم الزعامة بقوله “على الذين يريدون أن يكونوا زعماء سياسيين أن يبنوا الزعامة في شخصياتهم أولاً” وكأنه بذلك يجردها مما هو موروث مؤكداً على ما هو مكتسب، فانطلق عمل حزبي مؤسساتي مصحوباً بمرجعية الدار التي صمدت لمئات السنين في وجه من تستفزهم رؤية نسيج متنوع ضمن زعامة متجددة لم تخف من الآخرين في البيئة الصغيرة اذ طبقت “التنوع ضمن الوحدة” لعقود من الزمن، ولا تحصر نفسها بجماعة بل تحرص على البعد الانساني الشامل الذي يسمو فوق كل أشكال التقسيم.

في السياق، عجّت المختارة أول من أمس بوفود متنوعة أتت من كل المناطق اللبنانية لاحياء الذكرى الخامسة والأربعين لاستشهاد كمال جنبلاط. تيمور جنبلاط أكد في كلمته أنَّ المختارة ستبقى عنوان الانفتاح وقطع الشك باليقين معتبراً أنَّ “الدار ستبقى مفتوحة للجميع”، ومطمئناً الجماهير الروحية والوطنية والحزبية التي تخطى عددها عتبة الـ٢٦،٠٠٠ مشاركٍ ومشاركة أن الدار ستبقى دارهم “لو مهما حدث في المستقبل، لو بقي العهد أو طار، لو ظل النظام السياسي أو طار، لو خسرنا مقعداً في الانتخابات أو ربحنا مقعداً في الانتخابات ولو مهما حصل في الحياة” على حد قوله. وأشار في كلمته الى فكرة “الانسان” التي جمعت الحزب “التقدمي الاشتراكي” بالزعامة الجنبلاطية بطريقة قلما نجد لها مثيلاً، اذ قال عن جدِّه المؤسس “رغم كل ألقابه، المعلم، البيك، الرفيق كان كمال جنبلاط أولاً إنسانياً”.

يعرف تيمور جنبلاط كيف يعادل بين كونه أمين إرث المختارة منذ ١٩ آذار ٢٠١٧ يوم سلَّمه وليد جنبلاط عباءة الزعامة جنباً الى جنب كوفية فلسطين، وبين رئاسته لكتلة “اللقاء الديموقراطي” الذي ضاعف تيمور جنبلاط عمله مولياً قضايا الشباب الأولوية، مقترحاً وكتلته بين آب ٢٠١٨ وتشرين الأول ٢٠٢١ أربعة وخمسين اقتراح قانون محورها العدالة الاجتماعية والعديد منها يدور حول الشباب وقضاياهم.

في ٦ آذار ٢٠٢٢ خاطب تيمور جنبلاط الشباب في لقاء شبابي تنظيمي حاشد في عاليه، داعياً إياهم الى عدم الاستسلام أمام الفشل واستمرار المحاولة مهما كانت الظروف صعبة. يومها قال تيمور جنبلاط: “دوركم جَاي” ثم أردف: “دورنا جاي”. وفي إحياء الذكرى الـ٤٥ كان تيمور جنبلاط سيِّد القصر، يتنقل بين رعيل المخضرمين في السياسة والنضال، أي الذين خاضوا معارك عدة الى جانب وليد جنبلاط، والرعيل الجديد الذي تجمعه بتيمور جنبلاط ثقة متبادلة. التقى تيمور جنبلاط الناس التي دخلت قاعات القصر قبل نزوله الى الباحة وتوجهه الى المنبر لالقاء كلمته. اجتمع بالشابات والشبان وناقش أفكارهم ورؤاهم، مفسراً لهم كل ما يريدون معرفته عن المرحلة وعمله في زوايا القصر المليء بصور ولوحات تُقدِّر كل الجهات التي عملت لأجل الانسان. ففيه مثلاً لوحة عن معركة ستالينغراد التي حطمت آمال الجيش النازي، وعلم للثورة السورية، وصورة كبيرة للشهيد رفيق الحريري.

للمرة الأولى منذ العام ١٩٧٧، غاب وليد جنبلاط عن ذكرى استشهاد والده التي فاق عدد المشاركين فيها كل التوقعات لاسيما لجهة الحضور الشبابي الطاغي الذي أسقط ما يُشاع عن أنَّ “التقدمي” يعاني من أزمة شبابية، وأكدَّ أن شمولية “كلِّن يعني كلِّن” لم تصب كثيرين. لم يملأ الابن غياب والده المقصود، لكنَّ الأكيد أنَّ السياسيَّ الشاب المثقف الذي يصغي أكثر مما يتكلَّم ويعمل بعيداً عن الاعلام ومواقعه ويطبِّق التجديد بهدوء ورويَّة، سار كما هو يريد وكما أوصاه وليد جنبلاط في الذكرى الأربعين لاستشهاد المعلِّم يوم خاطبه قائلاً: “تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط”.

شارك المقال