“قوات”… ولو طارت!

عبد السلام موسى

على طريقة “قوات… ولو طارت”، لا عنزة هذه المرة، لا تقلع “شلعة” القوات الاعلامية عن تكرار وتكرار، الهرطقة السياسية والاعلامية عينها، وترداد المعزوفة الممجوجة بذاتها، على قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”.

لا تعرف “القوات” “ماذا يريد سعد الحريري؟”. وما دامت لا تعرف، فـ”أهل الحريري أدرى بشعابهم”، ولتهتم “القوات” بامورها، وتخبر اللبنانيين “ماذا يريد سمير جعجع؟”، الذي يدق نفير الانتخابات، كما لو أنها نهاية العالم، وستعيد لبنان جنة!

راحت “السكرة” القواتية و”إجت الفكرة”، وبات “صراخ القوات” على قدر الألم والخشية من انتخابات “مش قدها” من دون “رافعة الحريري” وثقله الانتخابي “المعلق” في كل الدوائر الانتخابية.

تعرف “القوات” جيداً أن الحريري خرج من حلبة الاهتراء السياسي والاقتصادي، وصعق الحياة الوطنية بخطوة من خارج الكتاب التقليدي للممارسة السياسية، كانوا أعجز من مجاراتها، وتعاطوا معها بـ”قصر نظرهم” على أنها محطة لـ”استغلال” جمهور “المستقبل” انتخابياً، بعدما لم يوفروا مناسبة، في السنوات الماضية، إلا وسخّروها “مسيحياً” للنيل من الحريري، ولم يوفرهم جمهور “المستقبل” بالرد في حينه، كما يفعل اليوم.

ما يريده جعجع و”القوات” من سعد الحريري أن “يُلبس زيتي” لـ”نجدة القوات” انتخابياً، ويستخدمون في ذلك للأسف، الرئيس فؤاد السنيورة، “أبشع استخدام”، ويضعونه في خدمتهم لمواجهة الحريري الذي لا يخوض الانتخابات، وليس مواجهة “حزب الله” الذي لم يرشحوا في مناطقه مرشحاً واحداً، للمناسبة!

وكل ما يريدونه من جمهور “المستقبل” أن يحج إلى معراب، ويتلو لحكيمها صلاة الطاعة والمبايعة، وهذا للأمانة، وبلسان جمهور “المستقبل”، أشبه بـ”حلم إبليس في الجنة”.

وكل ما يريدونه من هذا الجمهور أيضاً، أن يلتحق بـ”الفتات السني”، كأشرف ريفي أو غيره، والذي لا يُسمن “الجوع القواتي” إلى المقاعد النيابية، التي إن زادت، كما يحلمون، لن تغير شيئاً في واقع أسود، كانوا شركاء مضاربين في الوصول إليه، بـ”صفقة معراب”، وما سبقها وتلاها من أفعال سياسية صبت عملياً في خدمة مصلحة “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر”، بالمطلق.

“القوات” هم “القوات”، يجنحون نحو المدرسة “الغوبلزية”، “اكذب أكذب أكذب… كي تتحول الكذبة الى حقيقة”، لكنها لم ولن تتحول، وحبل كذب “القوات”، مهما طال، سيبقى قصيراً، بفعل حقائق لا قدرة لهم، على الهروب منها بـ”ثرثرة سياسية” و”قلاقل”، لا ترتقي الي أي مستوى أخلاقي أو عقلاني، إذ يصرون على تقديم خطوة الرئيس سعد الحريري، كما يتمنون ويحلمون، ولا يجرأون بالطبع، على التعاطي معها على حقيقتها.

يعلم القواتيون جيداً، ولكنهم ينكرون طبعاً، من أكبر “حكيم” إلى أصغر “ممرض”، أن “مرض” الطعن بالظهر، لا يكون علاجه، بالطعن بالوجه، والوجود الفاعل والمؤثر في الحياة السياسية هو فعل تراكمي أصيل، تمتد جذوره في الأفعال والأقوال والوجدان، كما هي حال “الحريرية الوطنية”، سواء كانت في السلطة أو خارجها.

اما “بكائية” تسليم البلد الى إيران و”حزب الله”، فالجميع يتمنى الشفاء العاجل لـ”القوات”، من مرض الذاكرة المثقوبة، إذ أن أول من أرسى مداميكها هو “حكيمهم” جعجع بـ”صفقة معراب”، وهي النسخة المنقحة عن “صفقة مار مخايل”، وصولاً إلى المفاخرة مؤخراً، مع جبران باسيل، بحجب “الميثاقية المسيحية” عن تسمية الحريري لتشكيل حكومة “المبادرة الفرنسية”، والتقاطع مع “حزب الله” على عدم التسمية!

وما بين الفعلين، أفعال سياسية قام بها “الحكيم” جعجع، لعل أفظعها على الاطلاق، الدفع باتجاه التسوية الرئاسية “المشؤومة”، بعد رضوخه قبل غيره لمعادلة “عون أو لا أحد”، واستسلامه لـ”حزب الله”، وهجومه على الآخرين، وفي مقدمهم الحريري، للقيام بالخطوة نفسها، من خلال خطاب قواتي “دعشن” كل من لا ينتخب عون، تحت عنوان الرضوخ لـ “الاجماع المسيحي” الذي أوصل، بقيادة جعجع، عون رئيساً لا حول ولا قوة له، إلا الاستقواء بـ”حزب الله” لأخذ لبنان إلى جهنم.

ثم كان قانون جورج عدوان، بنسخته “الأرثوذكسية المقنعة”، الذي جعل قاسم سليماني يفاخر بأن لدى إيران “أكثرية” في مجلس النواب اللبناني، وسمح لـ”حزب الله” بالحصول على 6 نواب سنة في انتخابات 2018، سُخّروا في ما يُسمى “اللقاء التشاوري السني”، لتنفيذ أجندة “حزب الله” في محاصرة الحريري سنياً.

كان الحريري آنذاك ضد هذا “القانون المسخ” الذي يقلص عديد كتلته النيابية، لكنه ارتضى السير به لطمأنة “الشريك المسيحي”، وتحديداً حليفه “الحكيم”، الذي نصحه البعض للتاريخ، بأن هذا القانون سيسلب “14 آذار” الأكثرية التي تؤمن التوازن في وجه سلاح “حزب الله”، لكن قائد “القوات” في تلك الأيام لم يكن “بعيد النظر”، ولم ير أي خطر في تسليم الأكثرية لـ”حزب الله”، وجلّ ما كان يراه أن هذا القانون سيزيد كتلته النيابية “كم نائب”، وسيحاصر “تيار المستقبل” في “القمقم السني” من دون نواب مسيحيين.

هذا غيض من فيض ما أراده “الحكيم” وفعله، وصبّ في خدمة “حزب الله”، مثله مثل “التيار الوطني الحر”. سلمه رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، والحكومة، بعدما انتهت “ثورته” من الركوب على “ثورة 17 تشرين” عندما قدم الحريري استقالة حكومته، وفُتحت طريق جل الديب، والكسليك، وفرن الشباك، وغيرها!

ربما كان خطأ الحريري أنه ساير جعجع في ما سبق من أفعال، من موقع الحليف، وربما لا، لأن ما فعله الحريري من أجل بكركي، ومن أجل طمأنة الشريك المسيحي وتبديد هواجسه، يُسجل له ولا يُسجل عليه، في حين أن ما فعله جعجع في المقابل يدينه ولا يعينه في اتهام الآخرين بما كان، ولا يزال، غارقاً فيه، من حسابات سياسية “صغيرة”، لا ترتقي إلى مستوى “الفعل الكبير” الذي أقدم عليه الرئيس الحريري.

التاريخ سيحكم، لكن الأكيد أن ما يريده سمير جعجع، لا يريده سعد الحريري.

يكفي أن الحريري لا يريد حرباً أهلية في لبنان، وأعلن ذلك، في عز مفاخرة جعجع بـ”أحداث الطيونة” على أنها “ميني 7 أيار”، على خطى الأمين العام لـ”حزب الله” الذي فاخر بـ”أحداث 7 أيار” على أنها “يوم مجيد”!

الواضح أن نار “القوات” تأكل بعضها البعض، وأن “الألسنة” القواتية الملتهبة تحرق نفسها، وتتلفظ بتخاريف تنصّب فيها نفسها وصية على الزعماء والطوائف وجماهيرها، وتناصبهم العداء والأعداء.

بعد ١٥ أيار… “من يعش ير”، أين يتموضع هواة السحر والانقلاب… وأي منقلب سينقلبون!

شارك المقال