من تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه مستعد لمفاوضات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأضاف أنه في حال فشل المفاوضات ستبدأ الحرب العالمية الثالثة!.
لن يكون لقاء قمة بين الرئيسين الأوكراني والروسي، لأن الحرب التي تدفع ثمنها أوكرانيا حجراً وبشراً انما تحدث حقاً بين موسكو وواشنطن. صحيح أن روسيا هي التي غزت وتغزو أوكرانيا، لكن الفعل العدواني حصل ويحصل بناء على استدعاء عملي من الولايات المتحدة بواسطة حكام أوكرانيا المطواعين، وكان يمكن تفادي المأساة لو أن واشنطن تفهمت تخوفات موسكو من النزعة العدوانية للانقلابيين في كييف ومن إمكان إدخال أوكرانيا في عضوية الناتو ونصب صواريخ قادرة على تحطيم الكرملين أو التهديد الدائم بحصول ذلك.
المسؤولية المشتركة أدت، الى الآن، الى مزيد من إلحاق أوروبا، (حتى ألمانيا صاحبة النزعة الاستقلالية) بالقرار الآتي من واشنطن والذي يتخذه الحزب الديموقراطي في صراعه مع الحزب الجمهوري، على عتبة انتخابات أميركية محلية لا تخلو أحياناً من السطحية ومن نواب محدودي الأفق، وهي تؤثر في حاضر ومصير أوروبا قلب الحضارة الانسانية منذ الثورة الفرنسية.
هي حرب لخراب أوكرانيا ولا تسمع من رئيسها زيلينسكي ولا تقرأ له كلاماً يأسف على ما يحدث، بحيث نميل الى تصديق وجود طبعة يهودية للنازية الجديدة في أوروبا تختلف نوعاً ما عن نازية أدولف هتلر الذي كان يحتل غرب أوكرانيا ويستند الى أنصار له هناك، فيما كان جوزيف ستالين يحتل شرقها وله فيه أعوان ومؤيدون.
حرب متحركة يعتقد حكام واشنطن أنها الفخ الذي اصطادوا به موسكو، فيما يرى الروس أنهم يدافعون عن وطنهم بالانخراط في هذه الحرب، فتصرفات السياسة الأميركية تشير الى أنها لا تريد الاعتراف بكون روسيا دولة كبرى بل أقل من عادية، ولا تريد سوى مزيد من تحجيمها للمحافظة على أحادية السيطرة الأميركية على العالم، ومنع الوصول الى تعددية قطبية يرغب بها بل يمارسها أقطاب في العالم أبرزهم روسيا والصين. وتطلق واشنطن يومياً رجلها الأوكراني زيلينسكي الذي يتصرف كوصيّ على السياسات الدولية ملحقاً الاهانة بدول بارزة في أوروبا وأنحاء العالم، إذ يعمد الى تقريع زعمائها ولومهم على تقصيرهم، فيما ترى فيه شعوب جرّبت حكم الميليشيات (مثل الشعب اللبناني) مجرد بيدق غير مسؤول يعلي صوته في وجه الكبار وصولاً الى المزاودة على أسياده بالكلام، كما في مخاطباته لبرلمانات عدة مثل الكونغرس والكنيست.
والحال أن مأساة أوكرانيا تؤثر سلباً على العالم من النواحي الاقتصادية والسياسية والفكرية، فيتراجع دور العقل وتفهم المصالح لتقع البشرية ضحية زعامات صغيرة مثل ميليشيات أوكرانيا ونواب الكونغرس الضيقي الأفق. صحيح أن روسيا في المصيدة لكن بوتين الذي واجهه معترضون روس على خطوته العدوانية ضد أوكرانيا، بدأ يحظى بتفهم شعبه نتيجة اتضاح السياسة الأميركية وضعف زعامات أوروبا وخفة الميليشيات الحاكمة في أوكرانيا، ومن أحدث الذين تفهموا حرب أوكرانيا، الحزب الشيوعي الروسي المعارض الذي كان يتلقى الضربات المتوالية من بوتين. ننقل هنا كلاماً لفياتشيسلاف تيتينكين عضو لجنة التنسيق في الحزب والعضو السابق في مجلس الدوما: “الولايات المتحدة هي المتهمة بالحرب، فهي لا تهاجم روسيا فحسب بل تهاجم أوروبا (…) يبلغ حجم التجارة المتحدة بين روسيا والاتحاد الاوروبي 260 مليار دولار في السنة، ومع الولايات المتحدة 23 ملياراً سنوياً، أي 10 مرات أقل، لذلك فالعقوبات التي فرضت بناء على طلب واشنطن، ضربت في المقام الأول أوروبا. الأحداث في أوكرانيا هي حرب أميركية أخرى للسيطرة على العالم. والادعاءات حول الطبيعة العالمية لمقاطعة روسيا خاطئة. فدول البريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا) التي تشكل 43 في المئة من سكان العالم لا تؤيد العقوبات. لقد كنت منذ 30 سنة من أكثر منتقدي السياسة الداخلية والخارجية للنخبة الروسية، ففي طابعها الطبقي لا تختلف سلطة الأوليغارشية البيروقراطية في روسيا كثيراً عن السلطة في أوكرانيا (باستثناء الفاشية والسيطرة الأميركية الكاملة). مع ذلك، في تلك الحالات النادرة للأسف، عندما يتبع قادة روسيا خطاً يلبي المصالح التاريخية للبلاد والشعب، فان مبدأ النقد “التلقائي” بالكاد يكون مناسباً”.