لبنان وُجد ليبقى!

رامي الريّس

كثرت التحليلات والمقالات في الصحف العربيّة ومعاهد الأبحاث الأجنبيّة حول ما ينتظر لبنان مستقبلاً، بعد انتهاء مرحلة خلط الأوراق السياسيّة التي تشهدها المنطقة، والتي عكست نفسها من خلال اجتماعات ولقاءات وزيارات كسرت حالة القطيعة، التي كانت قائمة بين دول عربيّة، وأعطت إشارات انطلاق نحو حقبة جديدة قد تكون مكوناتها ومرتكزاتها مختلفة نوعياً عن المرحلة المنصرمة.

وبمعزل عمّا ستتمخض عنه هذه الحركة السياسيّة المتعددة الأضلع والأوجه، فإن لبنان سيبقى، كما كان دائماً، على مفترق طرق. لقد كان كذلك منذ قيام لبنان الكبير، ومن ثم بعد الاستقلال وقبل الحرب الأهليّة، وخلالها وبعدها. تماماً، كما كان يمّر دوماً بظروف حساسة ودقيقة تفاقمها الخلافات العميقة على الثوابت الوطنيّة والخيارات الاستراتيجيّة. إنه الخلاف ذاته الذي حوّل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليميّة والاحتراب الدولي.

مهما يكن من أمر، فإن ثمة شكليّات لا يمكن تجاوزها في إطار النقاش السياسي والإعلامي الحاصل راهناً، وفي مقدّمها “عرض العضلات” السياسيّة الذي تتناقله بعض الأصوات المعروفة الاتجاهات من هنا وهناك، فتغرّد تارة عن “الأضاحي” وطوراً عما سيلي التضحية بالأضاحي.

بمعزل عن الأسلوب الرخيص الذي يرغب من خلاله بعض اللبنانيين بمخاطبة أقرانهم في الوطن، إلا أن ذلك يستبطن حقداً دفيناً وكراهيّة غير مبررة، وسطحيّة تعكس قلة إدراك وفهم لطبيعة التركيبة اللبنانيّة القائمة أساساً على التعدديّة والتنوّع.

ثمة فائض قوّة دار دورته على معظم القوى السياسيّة وحقق لها “انتصارات” (سرعان ما تبيّن أنها واهية وغير ذات أفق) في حقبات معيّنة، استطاعت استثمارها مرحليّاً ومؤقتاً ولكنها لم تكن مستدامة أو مستمرة، ولم تكن تتمتّع بمقومات الصمود بما يتيح لها الإطاحة بالواقع القائم.

بطبيعة الحال، ليس المقصود بهذا الكلام القول إن الواقع الراهن هو الواقع المثالي الذي يُفترض الحفاظ عليه والحيلولة دون تغييره؛ بل على العكس تماماً المطلوب تأطير كل الجهود الممكنة والمتاحة، ضمن الأطر السلميّة، لتجاوز الوضع التراجيدي الراهن والنفاذ نحو صيغة تتيح إلغاء الطائفيّة السياسيّة وتطوير النظام ليكون أكثر عدالة ومساواة.

كيف يمكن للبناني أن يفرح ويغتبط إذا ما قرأ تحليلاً سياسيّاً يشير إلى إمكان عودة متجددة لحقبة الوصاية؟ كيف يمكن للبناني أن يغتبط لمجرد طرح فكرة من هذا النوع؟ ألم تُستخلص الدروس والعبر المتصلة بسياسات الاستقواء بالخارج التي قد تحقق “نجاحات” مرحليّة لكنها تصطدم لاحقاً بمعادلة “لا غالب ولا مغلوب”؟

ثمة خلاصة أساسيّة لا يمكن تجاوزها في إطار الاستفادة من عبر الماضي: إن تغيير الواقع الراهن بالقوة كلفته باهظة وأثمانه السياسيّة وغير السياسيّة مرتفعة. وما تنطح البعض في سياق السعي لحجز مواقع في الصفوف الأماميّة من المسرحيّة السياسيّة المقبلة إلا ليدل على القصور الفكري والسياسي، على المستويين الفردي والجماعي، لناحية تحديد السبل الأمثل للتعامل مع تحديات المرحلة.

قد تُسدل الستارة على خاتمة سياسيّة محزنة، ولكن ثمة جزءاً ثانياً وثالثاً ورابعاً، وفي كل جزء حكاية جديدة قد يتغيّر فيها اللاعبون والممثلون والأبطال؛ إنما في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.

لبنان وُجد ليبقى!

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً