بين ترسيم الحدود… وترسيم السلطات

ياسين شبلي
ياسين شبلي

باتت أخبار “غادة العهد” المدللة أشبه بمسلسل بوليسي أسبوعي على حلقات منفصلة، أين منه المسلسل البوليسي الأشهر “كولومبو”؟. فبعد أن “انقضّت” منذ أشهر على شركة مكتَّف لنقل الأموال بالخلع والكسر، بدأت حلقات جديدة وذلك عشية الانتخابات النيابية، إفتتحتها بحلقة “غادة والحاكم”، وذلك عندما تقمصت شخصية المفتش كولومبو وبدأت بالبحث عن رياض سلامة في منازله ومكاتبه وأي مكان يمكن أن “يلجأ” إليه، مستعينة بجهاز أمن الدولة الذي كاد أن يصطدم بزملائه من الأمن الداخلي المولجين حراسة بيت الحاكم وحمايته، ما جعلها تدَّعي على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وهكذا تتوالد القضايا عندها بطريقة تلقائية. عندما فشلت المحاولة وبقيت الحلقة مفتوحة على مزيد من الاثارة، بدأت حلقة جديدة بعنوان “غادة والمصارف” بحيث إدَّعت على ستة مصارف وألقت الحُرم على سفر رؤساء مجالس إداراتها إلى الخارج، ومرة أخرى تفرّعت عن هذه القضية، قضية أخرى تمثلت بصدور بيان من رئاسة الجمهورية اعتبِر بمثابة إخبار للنيابة العامة ضد موقع “لبنان الكبير” ورئيس التحرير محمد نمر على خلفية خبر عن هذا الموضوع، فاختلط حابل القضاء والسياسة بنابل الصحافة والأمن الجنائي، لتبدأ حلقة جديدة تبدو وكأنها تكملة أو جزء ثانٍ من حلقة الحاكم ولكن بعنوان فرعي هو “غادة ورجا”، ورجا هذا هو أخو الحاكم رياض سلامة، بحيث أوقفته كـ “بدل عن ضائع” كما يبدو، من ضمن الإثارة الشعبوية و”الشانتاج” السياسي كما جرت العادة في لبنان بين جميع الأفرقاء. يجري كل هذا بعيداً عن الإخبار الذي قُدِّم إليها منذ مدة ليست بالقليلة بخصوص مؤسسة “القرض الحسن” الذي يبدو أنه “حسن” كما تعتبره فعلاً، وبذلك لا يكون من “إختصاصها”.

طبعاً لسنا هنا في وارد الدفاع عن الحاكم وأخيه، أو المصارف وأصحابها ورؤساء مجالس إداراتها، فهذا أبعد ما يكون عن تفكيرنا وهدفنا، ما يهمنا في الموضوع هو هذا “الابتذال” في الممارسة الذي بات يسري على كل شيئ في هذا البلد المنكوب، والذي أفرغ كل القيم من محتواها بحيث لم يعد هناك أي ثقة بأي قيمة من القيم التي تقوم عليها المجتمعات السليمة والطبيعية كالعدل والوطنية والشفافية، فتهمة التعامل مع العدو مثلاً باتت “نكتة” سخيفة وغير قابلة للتصديق أو لنقل مشكوك بصدقيتها، بعد كل ما حصل مع الممثل زياد عيتاني وغيره من “المتهمين” في السنوات الماضية، وهي قضايا لم ينتج عنها أي محاسبة للمتسببين بها أقله لاعادة الثقة الى المواطن بالأجهزة الأمنية، بل على العكس فقد حصل البعض منهم على الترقية حتى بعد الأحكام التي صدرت بحقهم.

كذلك تهمة “الإرهاب” التي باتت “كليشيه” ممجوجة، وتهمة جاهزة حسب المقاس، وسيفاً مصلتاً على رقبة كل  شخص متدين معارض لتوجهات العهد وراعيه، وكل شيخ – السُنة منهم بشكل خاص – خارج عن سلطة “مشايخ” السلطان. وهذا الابتذال مع الأسف بات يسري على أخطر قضية تواجه لبنان ألا وهي قضية الفساد التي هي أحد أكبر أسباب ما نعيشه اليوم من ضنك وإنهيار، وما ذلك إلا لأن البعض يريد إستثمارها في السياسة من جهة، والبعض الآخر يخلط الأمور بعضها ببعض كي يضيع “الشنكاش” كما يقال من جهة ثانية، وفي النهاية الناس والبلد هم الضحايا في سرّاء إتفاق الساسة وفي ضرّائهم، والقانون والعدل في هذه الحال يبكيان في الزاوية كما يقال، بعد أن دخلت الأمور “ببعضها”، وبتنا بحاجة ربما إلى هوكشتاين آخر يسعى الى ترسيم حدود السلطات والصلاحيات بين أطراف الصراع السياسي في البلد ومؤسساته، وهو ما تم – كما يبدو – وتولاه الرؤساء الثلاثة في الاجتماع الأخير في قصر بعبدا لدرس الرد على مقترحات هوكشتاين للترسيم البحري مع العدو الصهيوني، ولكن – على الطريقة اللبنانية – بحيث سارت أمور الترسيم البحري و “السياسي” بالتوازي، ما سمح وأسفر عن إجتماع الحكومة في السراي بهدف فك الاشتباك السياسي – القضائي – المالي بين جميع الأطراف، حتى إشعار آخر… وربما بإنتظار مسلسل جديد من مسلسلات “المفتش” غادة عون.

شارك المقال