في بعبدا: العونيون على ضفتين والمعركة على مقعد

عبدالله ملاعب

تضع القوى السياسية لمساتها الأخيرة على لوائح دائرة بعبدا – جبل لبنان الثالثة التي توليها القوى المسيحية أهمية كبيرة لسببين: الأول لكونها عاصمة الرئاسة اللبنانية التي كانت وفية لابنها العماد ميشال عون، والثاني لكونها “عرين الموارنة” وتنضوي ضمنها عين الرمانة، القضية القديمة المتجددة التي أعادتها أحداث الطيونة الأخيرة الى الواجهة لتؤكد فشل “تفاهم مار مخايل” ومنطقه.

في الدائرة ستة مقاعد نيابية: ثلاثة مقاعد مارونية، مقعدان شيعيان ومقعد درزي. في العام 2018، تخطى الحاصل الانتخابي عتبة الـ13 ألف صوت، في حين كانت التوقعات أن يصل الحاصل الى 16 ألفاً. أما هذا العام، فتشير المعلومات الى أن الحاصل سيشهد إرتفاعاً كبيراً بسبب توقع ارتفاع أعداد المقترعين التي ستنقسم بين ما يعرف بالسياديين، الممانعين من “تيار وطني حر” و”الثنائي الشيعي”، المعارضين، وقدامى “التيار الوطني الحر”.

حتى هذه الساعة إتضحت صورة لائحتين: الأولى تضم تحالف “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” و”الوطنيين الأحرار” وهي على الشكل التالي: عن المقاعد المارونية، بيار بو عاصي (القوات اللبنانية)، كميل شمعون (الوطنيين الأحرار)، وألكسندر كرم المستقل الذي أعلن تحالفه مع سمير جعجع في هذه الدائرة من معراب. وعن المقعد الدرزي هادي أبو الحسن (التقدمي الاشتراكي)، وسعد سليم عن أحد المقعدين الشيعيين.

أما اللائحة الثانية فتضم تحالف “التيار الوطني الحر” و”الثنائي الشيعي” والممانعة الدرزية. في ما يخص المقاعد المارونية أعلن “التيار الحر” إعادة ترشيح آلان عون الذي تقول استطلاعات الرأي إن فوزه شبه مضمون. في حين لا يزال التيار يعاني تخبطاً حيال المقعد الماروني الثاني، إذ زاد الخلاف بين النائب جبران باسيل والنائب السابق حكمت ديب إبن بلدة الحدت، التخبط في صفوف العونيين، لاسيما أن التخريجة التي تبناها ديب بعد إقصائه استعطفت كثيرين من الأكثرية الصامتة الغاضبة من باسيل، والتي حاولت لسنوات عدم الانجرار وراء من نفد صبره من ممارسات جبران فآثر الاستقالة من التيار.

ديب خرج عن صمته مؤخراً تجاه باسيل وارتكاباته بحق الخط العوني، فاعتبر أن تفكير الأخير “غير متلائم مع الخط التاريخي للتيار”، غامزاً من قناة الحرب القديمة الجديدة التي شنها باسيل عليه منذ إنتخابات العام 2018، مصعداً الخلاف، الذي ربطه بقيم عونية تخلى عنها صهر العهد. ديب الذي لم يحذ حذو المرشح ماريو عون الذي كسر ارادة باسيل بعدما استبدله بغسان عطا الله، يملك حوالي الأربعة آلاف صوت هي أقرب الى مرشحي قدامى “التيار الوطني الحر” مما هي من أحد مرشحي باسيل في هذا القضاء شادي واكد الأسمر أو فادي بو رحال.

شيعياً، أبقى “الثنائي الشيعي” على ترشيح علي عمار عن “حزب الله” وفادي علامة عن حركة “أمل”. في حين يشهد المقعد الدرزي بدوره مداً وجزراً بين مرشح “التيار الوطني الحر” ومرشح الحزب “الديموقراطي اللبناني”. إذ يريد التيار ترشيح الدرزي المنتسب الى صفوفه وصديق باسيل فادي الأعور، في حين يريد “الديموقراطي” ترشيح صديق أرسلان الجديد فاروق الأعور القيادي السابق في الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي شغل سابقاً منصب وكيل داخلية “التقدمي” في المتن الأعلى قبل الانتقال الى خلدة. الخلاف بين مرجعيتي “الأعورين” لا يزال قائماً بانتظار قرار “حزب الله” الفاصل، مع ترجيح تبني مرشح “المير” فاروق الأعور لسببين: الأول مذهبي إذ أن الصراع على مقعد درزي، والثاني مطلبي مرتبط بالضغط الارسلاني على الضاحية للمضي في تشكيل كتلة درزية ممانعة.

في السياق، شهدت هذه الدائرة محاولات جدية لتوحيد المجموعات ضمن لائحة معارضة واحدة، أثمرت الأسبوع الماضي لقاء تفاوضياً جمع ممثلين عن: “الكتلة الوطنية”، “منتشرين”، “لقاء تشرين”، “عامية 17 تشرين”، “تقدم” و”خط أحمر”. لكن هذه المحاولات سرعان ما باءت بالفشل مصطدمة بالشخصنة، إذ أن كل المفاوضين مرشحون بإعتراف أحد المعارضين في تصريح توتيري. ومن أبرز نقاط الخلاف: رفض بعض المجموعات فكرة ترشيح ما يزيد عن ممثل واحد لقدامى “التيار الوطني الحر”. إذ أن هذه اللائحة المزدحمة بالمستقيلين أو المفصولين عن التيار تضم ثلاثة وجوه تيارية قديمة هي الجنرال بيار الحلو المدعوم من “الكتائب اللبنانية”، وإبن شقيق رئيس الجمهورية نعيم عون، والمرشح عن المقعد الشيعي رمزي كنج أحد أبرز التياريين الشيعة الذين حضنهم العماد عون في ثمانينيات القرن المنصرم ولفظهم جبران باسيل في السنوات القليلة الماضية. في صفوف الثورة مشكلة إضافية متمثلة في وجود “حلوين”، فاضافة الى الجنرال بيار الحلو ثمة مرشح آخر من العائلة نفسها هو ميشال الحلو ممثل “الكتلة الوطنية”، مما أثار غضب بعض المجموعات التي رأت في الأمر اصراراً على الفشل.

في الختام، إن المعركة في هذه الدائرة على مقعد ماروني، ففي حين تحسم استطلاعات الرأي نجاح مرشحي “الثنائي الشيعي” ومرشح “التقدمي”، يبقى الصراع على المقعد الماروني الثالث بعد بيار بو عاصي وآلان عون.

لذلك، تسعى لائحة “القوات” و”التقدمي” و”الأحرار” الى تحصيل حاصل ثالث هذا العام، في حين يلهث “التيار الوطني الحر” لضمان مقعد ماروني ثان كان معه في العام 2018، وذلك وسط ارتفاع أعداد كارهي جبران باسيل بمقدار ارتفاع من ترشحوا لتمثيلهم، أي الذين قد يأتون بحاصل واحد إن اتحدوا بعيداً عن “الأنا”.

شارك المقال