ومن يضمن ” كونترول العهد” إذا أُقر “الكابيتال كونترول”؟

وليد شقير
وليد شقير

هل هو الخوف من ترك السلطة وتراجع القدرة على التأثير هو الذي يدفع الفريق الحاكم إلى هذا الجموح في افتعال المعارك والتصعيد إلى درجة هي أقرب إلى الانتحار جراء اليأس من القدرة على ضمان الاستمرارية، أم هو الإمعان في إسقاط البلد في براثن الفوضى والخراب كي يبقى رهينة اللعبة الإقليمية الكبرى واللعينة، بحيث لا يقدر أحد على لملمة أنقاضه إلا بعد التسليم بهيمنة فريق عليه؟.

المعارك المتنقلة والمفتعلة والعبثية من قبل الفريق الحاكم، تارة على المصارف، وأخرى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وثالثة على الإعلام وآخره الادعاء على مارسيل غانم ومحطة “إم. تي. في.” بعد “لبنان الكبير”، ثم على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، هي التي تقود إلى الاستنتاج أن العقل الحاكم يمعن في نقل البلد إلى الحالة الجهنمية التي وعد بها اللبنانيين.

فهذا الكم من الكراهية العمياء للخصوم، والرغبة في وضع اليد على المؤسسات، ينتج حتى الآن تقويضاً لما تبقى من اقتصاد منهار، وقطاع مصرفي مفلس، وصولاً إلى التصرف كمن يطلق النار على نفسه عبر منع 6 مصارف من تحويل الأموال إلى الخارج، مما يزيد من صعوبات الاستيراد للمواد الأساسية التي يعاني اللبنانيون من نقصها في الأسواق لا سيما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

العودة إلى أحداث السنتين الماضيتين تثبت أنه في كل مرة جرى اعتماد صيغة لتمويل استيراد المواد الأساسية من محروقات وأدوية وأغذية، تؤدي إلى استقرار سعر صرف الدولار لفترة من الزمن، كان يؤدي حدث سياسي يتعلق بتشكيل الحكومة مثلاً، يتسبب بافتعال العقبات بوجه إنجازها، ثم بعد أن تشكلت كان يجري اصطناع شروط لانعقادها كي تتم عرقلة العمل الحكومي، فيتسبب ذلك باشتعال أسعار الصرف.

وحين كانت الأمور تهدأ على الجبهة الحكومية كان يجري استنباط وسائل وملفات الملاحقات غبّ الطلب ضد حاكم مصرف لبنان، عبر قضايا قضائية مزعومة يجري تحريكها في الخارج من قبل فريق محلي موالٍ للعهد، امتهن تركيب الملفات لتسويغ تضخيم صداها في الداخل عبر قاضية العهد، وبدعم من “حزب الله”، بنية تغييره والإتيان ببديل مطواع، بحجة استرجاع أموال المودعين. وفي كل مرة كانت الأواني المستطرقة تفعل فعلها في هذا المجال، وكان سعر صرف الدولار يلتهب مجدداً.

وحين كان الإعلام يفضح المستور، إما في المزايدات التي تتضمنها المواقف السياسية المتعلقة بالقضايا الخلافية مثل قضية سلاح “حزب الله”، والمحاصصة في التعيينات، أو بارتباط المقايضات في ترسيم الحدود بمطلب رفع العقوبات الأميركية عن جبران باسيل، أو حين تدوي الأصوات في البرامج التلفزيونية ضد المخالفات القانونية الفاضحة في الملاحقات القضائية أو حيال فضائح الكهرباء المتناسلة والإنجازات المزيفة والسياسات المنحازة للمحور الإيراني… كان يتم تحريك الدعاوى والاستدعاءات الاعتباطية والاستنسابية للإعلاميين من أجل إسكاتهم وإطفاء اعتراضاتهم بفتاوى هي قمة في الخفة.

وعندما يضج الشارع والوسط السياسي بتراجع شعبية العهد و”التيار الوطني الحر” في الوسط المسيحي، بفعل الفضائح التي تلاحق رموزه وبسبب التحاقه بـ”حزب الله” ضد دول الخليج العربي وجراء عزل البلد عن سائر دول العالم، ويتمكن الخصوم من توظيف هذا التراجع لمصلحتهم، انتخابياً، يتم تحريك القضاء ضد فارس سعيد ثم سمير جعجع، لصرف الأنظار عن شعار الحملة الانتخابية بإنهاء الاحتلال الإيراني، وإنهاء هيمنة الحزب على السلطة عبر البرلمان. وليس صدفة أن يجري الادعاء مجدداً على جعجع، بعد الضجة إزاء اضطرار الرئيس القوي، الحليف “الضعيف”، لتسليف المواقف من روما دفاعاً عن “حزب الله”، مقابل الوعد بإنقاذه انتخابياً في العديد من الدوائر، في مواجهة تحالفات خصومه، للاحتفاظ بكتلة وازنة في البرلمان تضمن التحكم بتشكيل الحكومة، والتصرف بالرئاسة الأولى لاحقاً، تعطيلاً أو انتخاباً. وفي كل مرة يجري توتير الوضع السياسي إزاء الخصوم، يضاف إلى المناخات السلبية عامل جديد يعجّل في قفزات سعر صرف الدولار، لتتراجع أحوال اللبنانيين درجات جديدة.

إذا صحّ أن إقرار قانون الكابيتال كونترول، إذا حصل في جلسة البرلمان العامة الثلاثاء المقبل، سيساهم بين عوامل أخرى، وعلى الرغم من تأخره سنتين ونصف السنة، قد يساهم في لجم ارتفاع سعر الصرف، يصبح السؤال: كيف السبيل إلى ضمان “العهد كونترول” حيال المعارك المتنقلة والعبثية التي يخوضها بدعم من حليفه القوي حتى لا تساهم في اشتعال السوق السوداء وترفع سعر الصرف؟

لا مجال للقفز فوق جذر الأزمة السياسي. فعواصف الطبيعة قد تهدأ بعد أيام، لكن التأزم الناجم عن جموح الفريق الحاكم نحو الاستئثار والتفرد، سيستمر كلما واجه مقاومة لتشريع إخضاع البلد. والفصل المقبل قد يكون تصعيد الخلاف مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لأنه يحاول تفكيك الألغام التي يزرعها هذا الفريق لاستعادة القدرة على الهيمنة، تارة عبر القضاء وأخرى عبر المواقف المعاكسة لمحاولاته تحسين العلاقة مع دول الخليج.

شارك المقال