الإعلان الإنتخابي مكلف… مرشحو السلطة مستعدون ومعارضون ينسحبون

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

الاعلان الانتخابي في لبنان ليس بمثل النشاط الاعتيادي الذي كان يطبع الانتخابات الماضية، فالأزمة مؤثرة ولا سيما في المرشحين “الفقراء” وغير المدعومين، والمصارف مقفلة بوجه من يرغب بسحب الاموال لإسعافه في حملته، وربما يكون بإستطاعة أهل السلطة فقط من أبناء النظام التحايل والحصول على ما يمكن ان يسعفهم في الانتخابات وربما اتتهم اموال من الخارج لتدعيم وتزخيم معاركهم او انهم كانوا قد تحسبوا للأمر مسبقا فجهزوا ما يلزم لصرفها على حملاتهم.

أما المرشحون الآخرون من الثوار او غيرهم فبعضهم يتّكل على منصتي كلنا ارادة ونحو الوطن وهناك من يتكل على مغتربين وبعض المرشحين يستعين بالعائلات، وهناك من يحظى باعلان تقدمة او بيان من مطبعة او صورة له من متبرع كريم.

وفق متابعين للحملات الانتخابية فإن الحملات الاعلانية تبدأ بعد حسم تشكيل اللوائح، والكل ينتظر الى ما ستؤول اليه الضجة الحالية المفتعلة من قبل القاضية غادة عون على المصارف، مما يوحي بأن العهد قد يكون في وارد تعطيل الانتخابات والتخويف من تدهور أمني، الا ان الضغوط الدولية لاجراء الانتخابات قد لا تسمح بنجاح هذا التعطيل، وعندما تكتمل اللوائح ويتم الاعلان عنها تنشط الحركة الاعلانية، عند كل الاطراف المعارضة والموالية لشد العصب عند الناخبين ورفع نسبة المشاركة عبر الترويج في الحملات الاعلانية للبيانات والمواقف والشعارات في اطار التنافس على كسب ود الناخبين، وهي عملية تجري في كل الدوائر ما بين قوى النظام والمعارضة والمجتمع المدني و17 تشرين وهي تحمل في طياتها شعارات مختلفة”.

وحسب قراءة المتابعين فإن شعارات هذه الانتخابات ستكون مختلفة عن شعارات انتخابات العام 2018، ففي ذلك الحين كان هناك تسوية وتحالفات جرت من ضمنها، مما ساهم في رفع مستوى الناخبين، و”كانت على حساب “تيار المستقبل” نتيجة قانون الانتخاب الذي جرت على أساسه، مما سمح لقوى الممانعة بالتمدد ولذلك اعتبر البرلمان بالنتيجة برلمان قاسم سليماني”.

ويستدرك هؤلاء المتابعين بالقول: “اليوم العملية تختلف، لا تسويات، هناك صراع مع المعارضة وفي داخل السلطة من تحت الطاولة وهناك خلافات مع أطراف سياسية ظاهرة وصراع مع مجموعات 17 تشرين التي لم تستطع الخروج بموقف وخطاب سياسي موحد وبالتالي فحمتلها الاعلانية ستكون صعبة في ظل التفتت وتشتت الاصوات وتخدم لوائح النظام، أي تقدم لها خدمات على طبق من فضة”.

ولأن الحملة الاعلانية تحتاج الى موقف سياسي وشعارات تستقطب الجمهور الناخب، فبرأي المتابعين “الشعارات هذه يجب ان تختلف عن شعارات حزب الله الذي يعتبر انه ليس لديه سوى الصراع مع اميركا ويريد الوصول الى اكبر عدد من الناخبين لان مشروع المقاومة بخطر والشيعة في خطر. وهو يحاول ان يتسلل عبر الطوائف لاختراقها وكسب جمهورها عند الطائفتين الدرزية والسنية تحت شعار احتضان خط المقاومة الذي يمثله حزب الله في مواجهة اميركا واسرائيل، فحزب الله يستخدم هذين الشعارين لمصلحة مشروعه الانتخابي”.

ويشيرون الى ان “الحملات الاعلانية تتضح صورتها بعد حصر اللوائح وخروج مرشحين من العملية وتنازل آخرين، ولا سيما إننا امام 1420 مرشحا على 128 مقعدا وهذا رقم كبير جدا، وقد يكون سبب ارتفاعه الفعلي في لوائح المعارضة والتشرينيين، فالظاهر انه كلما تشكلت لائحة من التشرينيين يتم النيل منها بادعاء ضرورة حماية المقاومة وتتهم شخصيات من المجتمع المدني بأنهم من اتباع السفارات وتمويلهم يأتي من المال غير النظيف، وهو منطق حزب الله عينه الذي يمول بالمال الايراني لكنه “فرفور ذنبه مغفور”، وطبعا هناك شخصيات معارضة مرشحة تستطيع مواجهة احزاب السلطة ببرنامج تخاطب به الناس التي تعاني من الجوع والازمات المعيشية والاقتصادية، لكنها لا تلتقي ولا توحد جهودها”.

بالنسبة الى تمويل الحملات الاعلانية، تميّز الأوساط المتابعة بين تمويل الاحزاب المعارضة التي تخوض معركة كبيرة وفعلية ينقصها الدعم المالي والتمويل غير متوفر، فالقوى السياسية فيها كانت فاعلة، والدول العربية بعيدة. وتيار المستقبل فهم ان المعركة تجري ضمن حجارة الشطرنج التي تخدم الاجندة الايرانية. وبالتالي اي اتفاق تعويم للدور الايراني سيكون على الحساب اللبناني وعلى حساب هذا البرلمان. وربما تكون النتيجة ان البرلمان المقبل قد يكون برلمان ابراهيم رئيسي الذي يتحدى الغرب ويواجه اتفاقا حول النووي مع بايدن ويعطي اشارات لمواجهة العرب خاصة ان هذا الاتفاق مقدم بمبادرة اميركية لا محدودة، والايراني لم يتراجع منذ العام 2015 عن اي موقف فيما العرب امتنعوا ولن يساعدوا احدا في هذه الانتخابات، والمعارضة ستعاني من غياب الاموال”. وتستدرك بالقول: “لكن هناك بعض الأموال تأتي من مستثمرين ومن بعض الشخصيات اللبنانية ومن بعض الجمعيات و”كلنا ارادة” و”نحو الوطن” وهما منصتان معنيتان بتقديم الاموال في المسار الانتخابي وتغطية بعض الحملات للمرشحين الذين لا يملكون اموالا. لكن هناك منصة فتحت الإتصال مع حزب الله مما يؤشر الى إمكانية تعاون. بالاضافة الى وجود شبان مغتربين يقدمون المساعدة للوائح موحدة من مرشحي 17 تشرين ووفقا لمشاريع وبرامج انتخابية ووجوه تستطيع الوقوف بوجه السلطة، وهناك شخصيات تموّل من معارضين في المتن والشمال مثل حزب الكتائب وميشال معوض ونعمة افرام الذي كان ممولا للوائح “التيار الوطني الحر” في السابق واليوم يمول بعض المجموعات. وهناك بعض الممولين الذين يحاولون تقديم مساعدات مثل منصة بهاء الحريري الذي يبدو كأنه يحاول ان يشتري بعض المرشحين ان وصلوا لكن حظوظهم قليلة وهو يحاول ان يقدم مشاريع في الشمال والبقاع. لكن وجوده ضعيف وغير مؤثر”.

وحسب هؤلاء المتابعين فإن “المعارضة لها شخصياتها ولها امكاناتها لكن مصادرها المالية ضعيفة جدا، وعليه فإن حملاتها الانتخابية ستكون بسيطة وامكانات الدفع ستكون مقنّنة خاصة بوجود مشكلة البنزين الانتخابي فمن يريد ان يدخل في عملية الانتخابات ويأتي من بيروت او البقاع لينتخب في محافظة أخرى ربما لن يتمكن من الانتقال لكونه غير قادر على دفع ثمن تنكتين من البنزين، كما ان الحملات الاعلانية من ملصقات وبروشورات مكلفة في ظل الانهيار الاقتصادي الكامل”.

وتستدرك: “صحيح ان القانون الانتخابي سمح فعليا بتحديد عملية الترشيح والانفاق الانتخابي وفتح حسابات لكن نحن نعلم انه في مناطق سيطرة الثنائي الشيعي هناك محاولات للضغط على مديري فروع المصارف لعدم فتح حسابات للمرشحين وهم يقولون انهم لن يغامروا بوظائفهم وينصحون المرشحين بالذهاب الى مناطق اخرى لفتح حسابات لهم ومثل هذه الضغوط ستزداد وتفتح ملفات لبعض الاشخاص وحملات اعلامية لتشويه سمعة ناشطين بالقول إنهم يتلقون اموالا من سفارات ودول وممولين وقد تركّب لهم ملفات فساد مزورة، ونحن نعرف إنه في مستهل ثورة 17 تشرين تم تكليف بعض الصحافيين الاقتصاديين بمخاطبة بعض الشخصيات والوزراء، والكل يتذكر مثلا عندما اتهم الصحافي حسن مقلد وزير الصحة السابق وائل بو فاعور بانه يهرب دواء السرطان الى السويد ومن ثم عندما ذهب أبو فاعور ليواجهه توارى مقلد عن الانظار لكونه لم يستطع احضار ادلته، لأن الخبر كان مزورا”.

وحسب توقعاتهم فان “المعارضة ستواجَه فعليا بضغوط واستدعاءات وحملات تشويه وتخويف وترهيب قبل واثناء عمليات الاقتراع وربما عمليات سطو على الصناديق وعدم السماح لمجموعات شابة بمتابعة عمليات الفرز والهدف منها منع تسجيل اختراقات ولن تستطيع الدولة متابعتها ونتذكر اثناء الانتخابات الماضية في بعلبك كيف رميت الصناديق وبقيت عمليات الانتخاب حتى الساعة 12 ليلا وهذا مخالف القانون لكن تم السكوت عنها حتى تأتي النتيجة لصالح حزب الله. المشكلة ان النظام اقوى اليوم على الرغم من انه يعاني ومحاصر والاحزاب في السلطة رشحت شخصيات فاسدة في تحدٍ للناس وفي الاغلب الذين تم ترشيحهم مطلوبون للعدالة بقضية المرفأ ومساهمون في عملية الانهيار الاقتصادي ومطلوبون دوليا بتهم الفساد والتهريب المالي والسرقات والبعض معاقب ايضا، وهذا يؤكد ان قوى السلطة لا تزال تتمتع بامكانات هائلة من خلال السيطرة والضغط على المصارف وعلى الشركات على المعابر وارتباطها بالخارج وهي قادرة على تمويل حملات انتخابية وتسيطر على القانون وعلى الاعلام وعلى القضاء وعلى الاجهزة الامنية وكل ذلك يؤمن لها السيطرة بحرية. ولذلك سوف تعمل بعد اعلان اللوائح على شراء الذمم، وسيكون البنزين الانتخابي وتأمين ما يلزم لضمان انتقال الناس للانتخاب والاعاشات هي مكان الزفت الانتخابي. وتعطي مثالا كيف قامت اليوم غادة عون بتهديد الاعلامي مارسيل غانم وفتحت النار على الاعلام لكي تخيف الاعلاميين من أي نشاط مواجه للسلطة وتهديدهم بالسجن والملاحقة والاستدعاءات وبالتالي هذه حركة مسبوقة يقوم بها بعض القضاة المأجورين لمصلحة السلطة”.

وتختم المصادر المتابعة: “اليوم المواطن يعاني، حتى جواز سفر او اخراج قيد لا يستطيع اصداره فالسلطة متحكمة بهم في كل شيء وهذا امر لم يفهمه المعارضون لبناء حملاتهم الاعلانية الانتخابية التوحيدية على قاعدة هموم الناس لكي يتمكنوا من جذب انظار الناس اليهم عبر حمايتهم وحمل مشكلاتهم ومواجهة هذه السلطة عبر الاعلام والاعلان عن برنامج موحد يستقطب الناس ويجعلهم يتأملون التغيير”.

شارك المقال