رأى الوزير السابق رشيد درباس أن “من جملة الظواهر غير الطبيعية أن الاستحقاق الذي من المفترض ألا يكون هناك جدل حول اجرائه أصبح موضوع أداة، وهذا يدل على أن الفوضى الدستورية استشرت في الدولة وأصبح كل شخص ينجّم ويتوقع ما اذا كانت ستجري الانتخابات أم لا، وكل لديه معطياته. طالما أن التحضيرات اللوجستية على قدم وساق والاعتمادات المالية أقرت، وأقفل باب الترشيح، فإن كل ما يعوق الانتخابات بعد ذلك يكون بفعل فاعل، وبنية سيئة، ونحن اعتدنا على أن بؤرة معينة احترفت العبث بالاستحقاقات الدستورية”.
واعتبر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الانتخابات المقبلة لن تحدث تغييراً جوهرياً، لكن العزوف عن المشاركة فيها يحدث تغييراً جوهرياً ضاراً جداً. وعليه اذا كان الفريق السياسي يخوض الانتخابات من أجل العمل لابطاء حركة الانهيار أو وضع سدود في وجه الاجتياح، فيكون الأمر جيداً، ولكن مع الأسف ما نشهده على الساحة المتضررة من إزدواجية السلطة والقاء القبض على الدولة، فوضى ترشيحية وانتخابية وتبادل الصراخ من الأودية كما أنهم تحولوا الى أعداء لبعضهم البعض بينما كان يجب عليهم رص الصفوف. هناك سذاجة وجهل ثوري، وبالتالي تم تضييع زخم الوقوف في وجه الهيمنة على الدولة”.
وقال: “الثوار أو الجمعيات المدنية خيّبوا الآمال، وهذا يذكرني بكلام لينين عن المراهقة السياسية اذ أن السياسة قائمة أساساً على التحليل الملموس والخروج بنتائج ملموسة وفقاً لموازين القوى الراهنة. لو اجتمع الحلفاء الموضوعيون أي من يشتركون مع بعضهم بالضرر من خلال مشروع سائد وقائم – وما هو قائم اليوم أن هناك هيمنة على الدولة وسيطرة من قبل قوى منظمة من حلف مار مخايل – ووقفوا في وجه من أفقرهم بدلاً من أن يتنافسوا مع بعضهم البعض، في حين أن الآخرين كمنوا لهم وحجزوا مقاعدهم سلفاً ويحضرون أنفسهم ليحجزوا مقاعد المتخاصمين”.
ولم يستبعد “أي شيء من هذه المنظومة الجهنمية لأنها ترتكب كل ما يخطر في البال. على سبيل المثال، من أصل 14 سنة هناك 7 سنوات فراغ بين تعطيل تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية. الدولة بالنسبة اليهم وسيلة، ولا أحد يعرف قيمة الدولة الا الذين ترتبط حياتهم بها. الدولة حاجة فردية”، مؤكداً أن “هناك عشوائية في الخطاب السياسي وفي التحالفات اذ كيف يمكن لمسؤولين في هذه المنظومة أن يكون لديهم خطاب سياسي معين وخطاب بعكسه كلياً؟. الكلام الراقي هو كلام للاستهلاك يمكن تغييره حسب الحاجة”.
ولفت الى “امكان الوصول الى سيناريو الفراغ بعد الانتخابات النيابية، ومن الممكن ألا يوقع رئيس الجمهورية على تشكيل الحكومة، وهذا ما حصل مع الرئيس سعد الحريري حين قدم تشكيلة حكومية من المستقلين لم يوقعها، وعندما شكل الرئيس نجيب ميقاتي الحكومة الحالية التي تتألف من وزراء غير مستقلين وقّع عليها. لكن على الرغم من ذلك، أعتقد أنه لم يعد بهذه السهولة التمادي في هذا العبث الى ما شاء الله”.
وشدد على أن “حلفاء حزب الله دفعوا ثمن التحالف من قاعدتهم الشعبية، لذلك يحاول الحزب تعويض خسارتهم الشعبية كي لا تأتي الخسارة فادحة. في المقابل، الهيمنة على ثلثي مجلس النواب تعني أنهم يأتون بحكومة وبرئيس جمهورية كما يريدون، وتنتقل الهيمنة على الدولة من الفعل الى المشروعية”.
واعتبر أن “الحكومة الحالية هي حكومة أشباح مع أن بعض الوزراء فيها لديهم تاريخهم. حكومة أشباح لا تضبط الفوضى المتفلتة والمتنقلة من الفوضى القضائية الى الفوضى الاقتصادية الى فوضى المصارف. حكومة أشباح لأن الشبح نتخيله، لكن لا نراه ويكون مخيفاً، ونحن نخاف منهم لأننا نخاف من الفراغ وهم الفراغ بحد ذاته”.
ولفت الى أن “الانفجار الاجتماعي يحصل يومياً، لكن التفاقم والمعاناة يزدادان لأن الظروف تشتد علينا من دون علاج. والعلاج يتطلب ثلاثة أمور: أولاً، نية طيبة وإرادة. ثانياً، إدارة شريفة. ثالثاً، الوسائل، ونحن نفتقد هذه الأمور. من يُولّى الأحكام يجب أن تصدر بحقه الأحكام. واذا استمر الوضع على ما هو عليه وحصل الانفجار الاجتماعي فسنرى الفوضى الأمنية التي يستفيد منها المنظمون، ولا يمكن التعويل على القوى الأمنية والجيش لأننا استنفدنا آخر قطرة من قواهم، ولا يمكن أن نطلب منهم المعجزات في ظل الظروف التي يعيشونها”.
وأكد درباس أن “تغيير النظام مغامرة لا يدري الا الله عواقبها، ولا بد من أن يعي الجميع خطورة الوضع ويعيدون ترتيب الأمور لكن المسيرة طويلة”، مؤيداً طرح البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بعقد مؤتمر دولي من أجل لبنان والحياد الايجابي، و”من دون تحفظ”. وأوضح أن “هناك ثلاثة رجال يتحدثون في السياسة اليوم: البطريرك الراعي، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والمطران الياس عودة”.