التعويض عن “اتفاق” الرؤساء مع الصندوق بتعيينات ديبلوماسية!

وليد شقير
وليد شقير

الأسبوع الطالع ومطلع الأسبوع الذي يليه سيكون مفصلياً في شأن عدد من الاستحقاقات التي ينتظرها المجتمع الدولي من لبنان: ما مصير قانون “الكابيتال كونترول”، وهل ستثمر المفاوضات التي يقودها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي مع وفد صندوق النقد الدولي حول اتفاق الإطار بينه وبين الحكومة اللبنانية على خطة التعافي قبل أن يغادر الوفد في النصف الثاني من الشهر إلى واشنطن ليدلي بدلوه إلى إدارة الصندوق؟

فإما تكون النتيجة إعلاناً إيجابياً بأن السلطات اللبنانية وضعت البلد على طريق خطوات إصلاحية تستأهل، لاحقاً، “وعداً” لا أكثر بتقديم المساعدة المالية، أو تكون النتيجة أن ما انتظره الصندوق من مبادئ عامة للخطة لم يتحقق وبالتالي سيضطر إلى إعلان عدم التوصل الى ما كان يأمل به، فيضع البلد أمام أفق مجهول – معلوم. فهناك صعوبة في توقع التعويض عما فات بعد الانتخابات النيابية، لا سيما أن الحكومة ستكون بحكم المستقيلة دستورياً، ما يحول دون التوصل إلى اتفاق إطار مع الصندوق. وإذا تشكلت الحكومة الجديدة ولم يحصل فراغ حكومي يرجحه البعض، فلن يكون أمامها سوى 4 أشهر في أحسن الأحوال، قبل الانتخابات الرئاسية، من أجل إنجاز ما لم تنجزه الحكومة الحالية، وهذا مستبعد بدوره.

وفد الصندوق كان واضحاً بأنها الفرصة الأخيرة للبنان كي يرسي أملاً بإمكان تلقيه مساعدة بعد الانتخابات النيابية، على أمل أن يعقب هذه الانتخابات استكمال البحث في تنفيذ الاصلاحات التي يمكن لاتفاق الإطار أن يضع جدولاً لتنفيذها بدءاً بمباشرة التحضير لتلزيم معملين لتوليد الكهرباء… كما كان وفد الصندوق أكثر وضوحاً حين جال على رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة طالباً موافقتهم جميعاً على مشروع اتفاق الإطار هذا، لأنهم يختزلون القوى السياسية كافة التي حالت خلافاتها دون إطلاق خطة تصحيح الاقتصاد والمالية العامة في شكل سرّع التدهور الذي يعيشه اللبنانيون. أي أن الصندوق يحمّل مسبقاً الرؤساء الثلاثة مسؤولية تفويت الفرصة المتاحة قبل الانتخابات النيابية، نظراً إلى صعوبة التعويض عن هدرها، بعد الانتخابات. والصندوق تعمّق بشدة في تعقيدات الوضع السياسي الداخلي وتشابكه مع الوضع الإقليمي، وبحكم معاناة فريقه المفاوض مع خلاف الفرقاء اللبنانيين، على مدى السنوات الماضية.

يقول أحد المنغمسين بالتفاوض مع الصندوق إن لبنان غير منسي من قبل المجتمع الدولي على الرغم من انشغاله بأزمة أكثر خطورة هي تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا سياسياً واقتصادياً، لكن لا أحد سيقوم بالنيابة عن اللبنانيين، بما عليهم أن يفعلوه. وبات مسلماً به ضرورة إنجاز شيء ما قبل الانتخابات بعد التأخير أكثر من سنتين. وكلما طال الوقت بلا “كابيتال كونترول” ومن دون اتفاق مع الصندوق، كلما تعاظمت خسائر البلد والناس وتطلب التصحيح وقتاً أكثر.

حتى الآن تغلبت الشعبوية والتجاذبات الفئوية على إنجاز “الكابيتال كونترول”. وفي موسم الحملات الانتخابية الخشية هي من أن تتغلب المناكفات التي شكا منها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على إقراره في البرلمان. فهو قال في الجلسة النيابية الأخيرة إنه “لا يمكن أن أنساق الى الاستقالة كي لا تكون مبرراً لتعطيل الانتخابات”، بعدما اعترض على “استثمار كل الأمور في الحملات الانتخابية”، مشيراً بذلك إلى الاعتراضات على “الكابيتال كونترول”. أوحى كلام رئيس الحكومة أن مهمة حكومته قد تقتصر على الإشراف على الانتخابات، بعدما غلب التعثر على الأهداف المتواضعة التي وضعها لحكومته: تلزيم أحد معملين للكهرباء، الاتفاق مع صندوق النقد. وإذا صح هذا الاستنتاج، فإن محاولة وضع سقف لارتفاع سعر صرف الدولار عبر التدخل الذي يقوم به مصرف لبنان بالاتفاق مع ميقاتي، لكبح جماح القفزات القياسية لسعر صرف الدولار على الأقل حتى الانتخابات، ستضع سوق القطع أمام سقف جديد لا حدود له، بعد الانتخابات، إذا لم يكن هناك اتفاق أولي مع الصندوق.

الخشية هي من أن يتصرف الرؤساء الثلاثة في ظل غياب هكذا اتفاق، بلا ضوابط طالما الانتخابات تفرض ذلك. فعلى الطاولة مشاريع لإقرار دفعة تعيينات في الإدارة وفي وزارة الخارجية، تحت عنوان ملء الشواغر ونقل سفراء طالت خدمتهم في الخارج. فهل صُرف النظر عن إمكان التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، بحيث تعود “حليمة إلى عادتها القديمة”، مثلما حصل قبيل انتخابات 2018، حين جرى تعيين مئات الموظفين في “أوجيرو”، وفي مؤسسة كهرباء لبنان وغيرها، بالتحايل على القانون الذي يمنع التوظيف في القطاع العام بهدف الكسب الانتخابي الذي زاد استنزاف القطاع العام وأعباءه؟

في الكواليس لا يبدو أن هم الاتفاق مع صندوق النقد يتقدم على غيره. والخشية هي من أن يستسلم ميقاتي للواقع الذي يؤجل كل شيء إلى ما بعد الانتخابات، خصوصاً أن بعض العواصم تبلغت منه صعوبة أي إنجاز ما عدا الانتخابات. والمخاوف هي من أن يلجأ إلى ميزة “تدوير الزوايا” مع الفريق الرئاسي الحاكم لإشباع نهم الأخير إلى دفعة تعيينات وتشكيلات ديبلوماسية يخضع هو ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب لضغوط (ووعود) من أجل إتمامها، يحصل فيها هو ورئيس البرلمان على الفتات، فيما يحقق “التيار الوطني الحر” وحلفاؤه سيطرتهم على مواقع رئيسة، استباقاً لمغادرة الرئيس ميشال عون القصر، فتُفرض هويتها على أي رئيس مقبل، كائناً من كان. والحجج لتبرير ذلك جاهزة.

الحصص لها أولوية كما تشي بذلك التسريبات، على التفاهم مع صندوق النقد، وعلى إقرار “الكابيتال كونترول”.

تحت ستار السخونة المتصاعدة في الحملات الانتخابية، وانشغال القوى السياسية بها، وفي ظل السجال حول “الكابيتال كونترول” وأولوية حماية ودائع اللبنانيين، والمعركة القضائية الهادفة الى استبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يجري التحضير لصفقة جديدة من التقاسم.

شارك المقال