شبح الحرب الأوكرانية يطارد الانتخابات في المجر وفرنسا

حسناء بو حرفوش

لا تشبه الظروف التي تمر بها أوروبا أي ظروف عادية تنظم فيها استحقاقات انتخابية، وهذا يعكس تأثير الوضع في أوكرانيا في السياسة الأوروبية. وتقع هذه القراءة في قلب تحليل على موقع “ذا أتلانتيك” يسطر مطاردة شبح الحرب الأوكرانية للانتخابات في المجر وفرنسا.

ووفقا للتحليل، “في ظل الظروف العادية، لربما برزت هذه الاستحقاقات كشأن وطني داخلي مدفوع بعوامل محلية مثل الاقتصاد والهجرة والاستجابة للوباء. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا قلب الموازين. فأضحت الانتخابات الفرنسية تدور فجأة حول هوية من يستطيع قيادة البلاد بالطريقة الأمثل خلال أول حرب كبرى في أوروبا منذ عقود. وهذا ما يترجم مثلا في المجر، بتركيز الجدل حول الحرب والسلام والشرق، أكثر منه على الانتخابات التي ستحدد مسار البلاد إما نحو مزيد من الاستبداد أو الديموقراطية الليبرالية.

وفي مثال آخر، تخلت ألمانيا عن المحرمات في ملف الإنفاق الدفاعي بينما تعيد فنلندا والسويد التفكير في موقفهما تجاه روسيا وحلف شمال الأطلسي، وحولت بولندا نفسها من دولة منبوذة إلى شريك في بروكسل. وتقدم الانتخابات الآتية مؤشرات إضافية الى كيفية استجابة سكان القارة، المتأثرين بالفعل بارتفاع أسعار الطاقة وملايين اللاجئين الفارين من أوكرانيا، لحرب لن تنتهي قريبا على الأرجح.

وربطت النتيجة الأكثر إلحاحا بالانتخابات في المجر حيث أطر هذا الاستحقاق على مدى عدة أشهر، إلى حد كبير على أنه استفتاء لشعبية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وهو التحدي الأكبر لحكمه منذ أكثر من عقد. وعلى عكس الانتخابات السابقة التي واجه خلالها معارضة ممزقة في الغالب، أصرت المعارضة على أن هذه الانتخابات تهدف لإنقاذ الديموقراطية المجرية من نزعات أوربان الاستبدادية.

وتعليقا على الوضع، يقول مدير مركز أبحاث Policy Solutions في بودابست أن “الحرب في أوكرانيا غيرت الحملة الانتخابية تمامًا”. واستفادت المعارضة من مكانة أوربان كآخر صديق لفلاديمير بوتين في أوروبا، بينما سعى رئيس الوزراء إلى تحقيق توازن بين دعم الإجماع الأوروبي بشأن أوكرانيا وعدم حرق الجسور مع موسكو. وبالنتيجة، وجد الناخبون المجريون أنفسهم بمواجهة “روايتين متنافستين”، حيث تصف المعارضة الانتخابات بأنها خيار بين تحالف المجر مع روسيا ومواءمتها مع حلف شمال الأطلسي والغرب، ويحاول أوربان بشدة إعادة تأطير الأحداث حول الحاجة إلى السلام والأمن للشعب المجري في مثل هذه الأوقات المضطربة. مع الإشارة إلى أن رئيس الوزراء استبعد إمداد أوكرانيا بالأسلحة أو السماح بمرور أسلحة إليها عبر المجر، على عكس العديد من شركائه الأوروبيين. كما رفض الدعوات لفرض حظر على إمدادات الطاقة الروسية، مشيرًا إلى تأثير محتمل في العائلات المجرية.

وبسبب هذه المواقف، ازدادت عزلة أوربان في أوروبا، وعُزلت المجر عن حلفائها التقليديين في بولندا وجمهورية التشيك، حتى أن عملية الموازنة الدقيقة التي روج لها أوربان قوبلت بإدانة مباشرة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

من جهتها، ليست فرنسا بمنأى عما يحصل في أوكرانيا، حيث تهيمن الحرب على السرد الانتخابي في فرنسا، وعلى الرغم من أن الناخبين الفرنسيين نادرًا ما يذهبون إلى صناديق الاقتراع وهم يفكرون بالسياسة الخارجية، تمكنت الحرب من التغلب على هذا الاتجاه، ويرجع ذلك جزئيًا على الأقل إلى حقيقة أن فرنسا لعبت دورًا رائدًا في الخلاف الديبلوماسي بين الغرب وروسيا. فماكرون لم يسافر إلى موسكو في الأسابيع التي سبقت الحرب فحسب، في محاولة أخيرة وغير مجدية، لدرء الغزو الروسي، بل استثمر منذ ذلك الحين عشرات المكالمات في السعي وراء ديبلوماسية. وبسبب دور روسيا كمورد رئيسي للغاز في القارة، ستترك الحرب تأثيرا كبيرا في الاقتصادات الأوروبية. وعلى مستوى حظوظ ماكرون، ينظر إليه على أنه متعاطف للغاية مع الكرملين بينما لم تخف مارين لوبان، الزعيمة اليمينية المتطرفة والمنافسة الرئيسية لماكرون، تقاربها مع بوتين أو استثماراته في حملاتها السابقة. وعلى الرغم من إدانتها للغزو الروسي، تظهر صورة لوبان مع بوتين في كتيبات حملتها. وفي هذه الأثناء، توجب على المرشح اليساري المتطرف الصاعد جان لوك ميلونشون، الذي دافع منذ فترة طويلة عن انسحاب فرنسا من الناتو، التراجع عن التعليقات التي قللت من التهديد الذي تمثله موسكو.

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى هامش فوز أقل لماكرون في معركته ضد لوبان مقارنة بجولة الإعادة لعام 2017، وهو ما يشير إلى مدى تلاشي جاذبية الرئيس الفرنسي بعد خمس سنوات في السلطة. وتمامًا كما أثرت الحرب في أوكرانيا في هذه الانتخابات، ستترك نتائجها تأثيرا في أوكرانيا أيضًا – وتحديدًا كيفية استجابة أوروبا للأزمة هناك، سواء لناحية الحفاظ على الوضع الراهن أو تغيير سياستها. وقد يمثل فوز ماكرون انتصارًا لأولئك الذين دافعوا عن أوروبا أقوى، وهو موقف أكده الغزو الروسي إلى حد كبير. وفي حال احتفظ أوربان بالسلطة، كما هو مرجح، من شأن ذلك الأشارة إلى المزيد من التحديات التي تستهدف الإجماع الأوروبي بشأن روسيا، لا سيما فيما يتعلق الأمر بتقليص اعتماد القارة الأوروبية على النفط والغاز الروسيين”.

شارك المقال