المعركة في “الشوف عاليه” كسر عظم.. قوامها هوية الجبل

عبدالله ملاعب

المعركة الانتخابية في دائرة الشوف – عاليه طاحنة بين القوى السياسية على اختلافها. الحزب “التقدمي الاشتراكي” يولي هذه الدائرة التي تضم ثلاثة عشر مقعداً نيابياً، أهمية كبرى ترتبط برصيده التاريخي في المنطقة وحضوره الدائم ورؤية رئيسه وليد جنبلاط القائمة على التنوع وممارسة السياسية من باب المحافظة على الغنى الموجود في الشوف وعاليه، إذ أرسى جنبلاط منذ إتفاق الطائف الى اليوم سياسة مد اليد بإتجاه القوى والبيوتات السياسية على اختلافها لإنشاء شراكة اجتماعية وسياسية حقيقية كرّستها مصالحة الجبل في العام 2001 وترجمها الأداء السياسي وخيارات “التقدمي” في مختلف المحطات.

يُعرف عن وليد جنبلاط أنه لا يقيس حضوره السياسي بعدد المقاعد النيابية، إنما تراجع حجم كتلته يعني شعبياً ضرب النظرة الجنبلاطية لجبل تريده المختارة لبنانياً عربياً متنوعاً ومنفتحاً. أما سياسياً فيعني ذلك ضرب الخط السيادي لصالح الممانعة التي شغلت محركاتها لكسر جنبلاط في داره بأصواتها غير القليلة القادرة على قلب المشهد السياسي في الشوف.

على المقلب الآخر، ترى ما بات يعرف بـ “الممانعة الدرزية”، وهو إئتلاف القوى والبيوتات الدرزية المتحالفة مع “حزب الله” والمنصاعة الى النظام السوري، أن الفرصة اليوم سانحة أمامها لتعزيز حضورها درزياً. والهدف خلق كتلة أخرى في عاليه والشوف تكون هذه المرة درزية لا كالتي شُكلت لطلال أرسلان في العام 2018 يوم وقف في وجهه وئام وهاب قائلاً له: “كسرلنا عينا يا رجل شي مرّة”، في معرض إنتقاده تركيب كتلة لأرسلان إتسمت بـ”العيّارة”.

وثالثاً، تأتي “قوى التغيير” المتنوعة وغير المتجانسة. بعضها سوري، والبعض الآخر شيوعي، أو كتائبي، وهتاك أيضاً حراك ممانع ومستقلون حقيقيون هم قلة قليلة.

انطلاقاً من هنا تتنافس في الدائرة هذا العام، سبع لوائح كلها غير مكتملة، أبرزها لائحة “الشراكة والارادة” التي تضم تحالف “الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” والتي تركت المقعد الدرزي الثاني شاغراً في عاليه. ثانياً، لائحة “الجبل” التي تضم تحالف “الممانعة الدرزية” وهاب وأرسلان مع “التيار الوطني الحر” والتي تركت مقعداً درزياً في عاليه وآخر في الشوف. والثالثة لائحة “توحدنا للتغيير” التي تضم عدداً من مجموعات “الثورة” التي نجحت في الاتحاد في ربع الساعة الأخير، وهي أيضاً غير مكتملة مع ترك مقعد درزي شاغر في عاليه.

أما اللوائح الأربع المتبقية فهي: “سيادة وطن”، “صوتك ثورة”، “الجبل ينتفض”، و”قادرين” التي شكلها الوزير السابق شربل نحاس بمفرده لتضم مرشحين ينتمون الى حركة “مواطنون ومواطنات في دولة”. وهي لوائح ضعيفة عددياً يُستبعد نجاحها في الخرق.

يُتوقع أن يكون حاصل اللوائح فوق الـ13,000 وهو عدد الأصوات الذي نجح في حصده المجتمع المدني في العام 2018 يوم كانت هناك لائحتان فقط لا خمس لوائح، إذ حصد 13,103 أصوات. هذا العام، تشرذم القوى المعارضة يجعل المهمة صعبة من جديد على الرغم من اتحاد أبرز المجموعات في لائحة “توحدنا للتغيير” التي تضم أسماء لها جمهورها كمارك ضو عن المقعد الدرزي في عاليه، ونجاة عون صليبا وغادة عيد عن المقعدين المارونيين في الشوف. مع ذلك، حظوظ خرق هذه اللائحة ضئيلة جداً ليس بسبب وجود لوائح أخرى ناطقة بالتغيير أو بسبب دخول المجموعات بمحادل إنتخابية ومعارك شخصية نُقلت بعضها على مواقع التواصل وحسب، بل بسبب وجود أسماء محسوبة على التغيير بصيغته المُمَانِع، الذي لا يزال يرى في “حزب الله” مقاومة بعد كل ما جرى.

تفيد استطلاعات الرأي أن لائحة “الشراكة والارادة” تملك ثلاثة حواصل في عاليه، إثنان لـ”التقدمي” أي لأكرم شهيب عن المقعد الدرزي وراجي السعد عن المقعد الماروني، الذي سيتقاسم وشهيب أصوات الاشتراكيين في هذه الدائرة. وواحد لـ “القوات” التي سيصوّت جمهورها للقواتي المنتسب نزيه متَّى المرشح عن المقعد الأرثوذكسي. أما لائحة “الجبل” فتأخذ المقعد الدرزي الثاني لأرسلان والمقعد الماروني الثاني لمرشح “التيار الوطني الحر” سيزار أبي خليل. وفي السياق، تستبعد إستطلاعات الرأي إمكان سقوط أرسلان ليحل مكانه مارك ضو لا سيما بعد توحيد صفوف “الممانعة الدرزية” التي تكللت بالصورة التذكارية التي نشرت يوم إعلان لائحة “الجبل” من دارة السفير السوري عبد الكريم علي والتي أكدت أن دمشق نجحت في توحيد ممثليها في الساحة الدرزية بوجه وليد جنبلاط، وذلك بعد حل الخلافات التي حصلت بينهم، ووصلت الى درجة طرح فك التحالف.

معركة هذه الدائرة الفعلية هي في الشوف حيث المقاعد الثمانية: مقعدان للدروز، ثلاثة مقاعد للموارنة، مقعدان للسنة، ومقعد كاثوليكي. رشح “اللقاء الديموقراطي” عن هذه الدائرة كلاً من تيمور جنبلاط ومروان حمادة عن المقعدين الدرزيين، حبوبة عون عن المقعد الماروني، بلال عبد الله وسعد الدين الخطيب عن المقعدين السنيين. بما معناه خمسة من ثمانية. لـ “القوات” مرشح وحيد هو جورج عدوان عن المقعد الماروني يضاف اليه فادي المعلوف مرشح “الوطنيين الاحرار” عن المقعد الكاثوليكي والذي أراده جعجع لأسباب شخصية ورمزية ومسيحية لا سيما وأن هذا المقعد شبه محسوم لمرشح “التيار الوطني الحر” الأول وربما الوحيد في الدائرة غسان عطا الله إبن بلدة بطمة الشوفية الذي يحمل أحقاداً على جنبلاط والحزب “التقدمي” عبّر عنها يوم قال انه يخاف النوم في الشوف.

المعركة هنا على أربعة مقاعد من أصل ثمانية: مقعد درزي، مقعدان مارونيان وآخر سني.

درزياً، الحزب “التقدمي” سيخوض معركة إبقاء هذا المقعد مع مروان حمادة والحظوظ مرتفعة. إذ أن “التقدمي” الذي جيّر عدداً من أصواته في العام 2018 للمقعد الكاثوليكي الذي شغله نعمة طعمة، سيُضيفها هذا العام للمرشح حمادة وسبب ذلك واضح، إقفال الباب أمام “الممانعة الدرزية” التابعة لدمشق والمتحالفة مع “التيار الوطني الحر” المتنكر لمصالحة الجبل، والذي لا يزال يبحث عن بصيص فتنة بغية ضرب الاستقرار والمصالحة والإيماء للمسيحيين بأن لا مصالحة اليوم ولا وفاق درزياً – مسيحياً من دونه. وفي الاطار، سياسة التيار هذه تعيدنا الى محطتين: الأولى، قداس دير القمر في آذار 2019 الذي أسماه جبران باسيل قداس “التوبة والمغفرة” مريداً منه أن يكون نسخة جديدة عن مصالحة الجبل بين البطريريك نصر الله صفير ووليد جنبلاط فأتت كلمته وقتذاك للتلاعب بمصالحة الجبل وتعكير استقراره. والثانية، حادثة قبرشمون – البساتين في 30 حزيران من العام نفسه يوم تأكد باسيل أن لا قدرة له على فرض نفسه في المعادلة الجبلية من دون خرق الصف الدرزي وضرب سياسة “التنوع ضمن الوحدة” التي يتبعها جنبلاط لصون البيت الدرزي، ففرض نفسه ضيفاً ثقيلاً غير مرحب به على الجبل، وأدى ذلك الى إراقة دماء أبرياء راحوا ضحية مخططات باسيل وتواطؤ أرسلان.

في الشق الماروني، ثمة معركة يُرجح أن تكون بين مرشحة “التقدمي” الأكاديمية الناشطة في الحقل التنموي حبوبة عون والمرشح الدائم الذي فرضته “الممانعة الدرزية” ناجي البستاني، ومرشح الرئيس ميشال عون، فريد البستاني. وهنا تشير المعلومات الى أن الاصرار على ترشيح ناجي البستاني ضمن لائحة “الجبل” من قبل الثنائي الجديد وهاب – أرسلان لم يلق استحساناً لدى عدد من العائلات المسيحية الشوفية التي رأت في ذلك سابقة غير مطمئنة وخطرة متمثلة بفرض مرشح ماروني من جهة غير مارونية. وهذا ما يحاول القيّمون على اللائحة معالجته عشية التصويت.

وتبقى معركة أخيرة على المقعد السني الثاني الذي عادة ما يذهب الى تيار “المستقبل” المعتكف اليوم وغير المتبني لمرشح “اللقاء الديموقراطي” الثاني سعد الدين الخطيب حتى هذه الساعة. هنا المعركة بالغة الأهمية لأنها مرتبطة بهوية إقليم الخروب وخيارات أبنائه التي لم تكن يوماً مع النهج السوري – الايراني.

شارك المقال