الحرب الروسية – الأوكرانية تزيد حدة الانقسام في العالم

حسناء بو حرفوش

سلط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على الانقسامات العالمية الموجودة مسبقاً، كما أدى إلى إثارة المظالم بشأن المعايير المزدوجة التي ينتهجها الغرب عندما يتعلق الأمر بمعاملة اللاجئين، بحسب تحليل في موقع مركز “كارنيغي أوروبا” الإلكتروني، وانقسم العالم في الأصل، قبل محاولات روسيا غير المبررة لغزو أوكرانيا. وقد يبدو منذ البداية، أن هذه الانقسامات قد ازدادت حدة. في حالة الهند مثلاً، تعمل التأثيرات الجيوسياسية للأزمة الحالية على تقسيم الهند الى مسرحين جيوسياسيين: أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبقدر ما يتعلق الأمر بتصرفات روسيا في أوروبا، الموقف الهندي واضح ومن المؤكد أن الهند امتنعت عن المشاركة في أي تصويت مرتبط بالغزو في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويرتبط هذا الموقف في شكل مباشر بدرجة عالية من الاعتماد العسكري على روسيا. وبالتالي، هو مبني على المصلحة الذاتية والأمن القومي وحقيقة أن جيش التحرير الشعبي لا يزال معسكراً في الجانب الهندي لما يسمّى “خط السيطرة الفعلية”. ومع ذلك، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، هناك احتمال كبير بأن تتحد الهند بشكل أكبر مع شركاء من أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. أما الصين فتمثل تهديداً طويل الأمد.

لقد كشفت الحرب الروسية ضد أوكرانيا عن بعض التحالفات التي كنا نعلم بوجودها بالفعل، مثل الدول القليلة التي صوّتت مع روسيا في الأمم المتحدة. ومع ذلك، أدت أيضاً إلى تعقيد العلاقات خاصة بين الغرب وأكثر من 35 دولة غير غربية امتنعت عن التصويت. وهذا يثبت أن كثراً، بما في ذلك جنوب إفريقيا، عالقون بين التزامهم بالديموقراطية والتحالفات القديمة مع روسيا. وكشفت مشاركة وسائل التواصل الاجتماعي حول الحرب في أوكرانيا عن الاحباط الذي يشعر به الآخرون من الطريقة التي عومل بها ضحايا الحرب أي اللاجئون من جنوب الكرة الأرضية. وبعد وقت قصير من اندلاع الحرب، قام الصحافيون الغربيون الذين قللوا قبل عام واحد فقط من أزمة الأسر الأفغانية، بالتطرف في شرح سبب اهتمام العالم بأوكرانيا ووقعوا في التنمر الدولي.

وكانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق قد قسمت العالم في النصف الثاني من القرن العشرين إلى ثلاث كتل: الغرب والشرق وحركة عدم الانحياز. أما اليوم فتقسم الحرب الروسية على أوكرانيا في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين العالم من جديد ومرة ​​أخرى إلى ثلاث كتل. وإذ تتحد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إدانتهما للحرب الروسية وفي تصميمهما على معاقبة الرئيس فلاديمير بوتين ومؤسسته الحاكمة بسبب العدوان، تحرم روسيا والأنظمة التابعة لها في بيلاروسيا وسوريا، أوكرانيا من حق الوجود كدولة قومية ذات سيادة، ويبرر الغزو إثارة المخاوف الأمنية الروسية. وتعلن بقية دول العالم، بما في ذلك الصين والهند، عن حيادها في الحرب التي خاضتها على الأراضي الأوروبية وبأسلحة أوروبية وأميركية.

وعلى عكس الحرب الباردة في القرن العشرين، تقود الصين ولادة جديدة للحياد وعدم الانحياز كمبادئ قابلة للتطبيق في السياسة الدولية. وتستخدم الصين إلى جانب الهند والعديد من القوى المتوسطة الأخرى في آسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، المواجهة المتجددة بين الولايات المتحدة وروسيا للضغط من أجل نظام عالمي متعدد الأقطاب يعيد السلام الدولي ويبتعد عن التدمير.

(…) وفي إسبانيا، كان هناك تنظيم سريع للأوكرانيين واستجابة مؤسسية فاعلة لإدماجهم في البلاد. ومع ذلك، ما زالت وحشية الشرطة والعنف الشديد تجاه المهاجرين واللاجئين على الحدود الجنوبية واضحة، مع عدم تسوية قوانين الهجرة التي تعزل المهاجرين عبر معايير غالباً ما تكون عنصرية. وفي هذا السياق، لا يزال حصول المهاجرين الفنزويليين على حق الوصول إلى اللجوء الإنساني ضئيلاً، وعادة ما يتعين عليهم الانتظار لمدة ثلاث سنوات على الأقل لتسوية أوضاعهم، مما يترك المجتمع الفنزويلي في حالة ضعف. ومن المهم فهم مدى الاختلاف في النظر إلى الحرب في أوكرانيا في بعض الأجزاء الأخرى من العالم.

النقطة المرجعية التاريخية في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية هي حتماً الحرب العالمية الثانية، التي تعيد إحياء كل المخاوف القديمة بشأن الحاجة إلى مقاومة الديكتاتوريين الذين يسعون الى القضاء على حرية جيرانهم وشن هجمات شرسة على السكان المدنيين. وبالنسبة الى الجمهور في هذه البلدان، تبدو المقارنة واضحة، وهناك قدر كبير من الإجماع وراء تصرفات الحكومات.

وفي إفريقيا والشرق الأوسط، تبقى النقطة المرجعية التاريخية هي الحرب الباردة، التي دافعت خلالها روسيا ثم الاتحاد السوفياتي آنذاك، إلى جانب حركات التحرر ضد القوى الإمبريالية الغربية. هناك، يميل الجمهور الى قراءة الحرب مرة أخرى على أنها الغرب ضد روسيا. ويرى هذا الجمهور أن الدول الغربية منافقة، بعد أن غزت العراق وأفغانستان وقصفت ليبيا.

(…) وتولد حرب روسيا ضد أوكرانيا قطيعة تاريخية واضحة ستكون لنتائجها تداعيات مختلفة على مستقبل العالم الجماعي. ومع ذلك، ليس العديد من الانقسامات التي أحدثتها بجديد. وبدلاً من ذلك، أبرزت الحرب الانقسامات الموجودة مسبقاً على الجبهات السياسية والاقتصادية والثقافية.

من الناحية السياسية، تحوطت العديد من الدول من رهاناتها في عالم ما بعد السلام الأميركي، في ظل المخاوف بشأن تقليص الولايات المتحدة البحث عن حلفاء بديلين. ولذلك، لم يعرب الحلفاء التاريخيون للولايات المتحدة، عن دعمهم المطلق لأوكرانيا، ولم يتفقوا على زيادة إنتاج النفط لتلبية الطلب العالمي المتزايد في سياق معين، لتوسيع العقوبات على روسيا. ومن الناحية الاقتصادية، ستؤدي الصدمات التي تسببت بها الحروب وعلى مستوى الأمن الغذائي وأسواق الطاقة والتضخم المتزايد وتشديد السياسات النقدية والتعافي غير المتكافئ من كورونا، إلى تعميق التفاوتات الأساسية في الوصول إلى كل من الخدمات والفرص. وفي النهاية، ازدادت حدة المظالم طويلة الأمد وعاد الجدل حول “صراع الحضارات”، مانحاً فرصة إضافية للسياسات غير الليبرالية”.

شارك المقال