“حزب الله” العابر للطوائف

عالية منصور

أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات النيابية اللبنانية، فبينما يرى البعض أن نتائجها محسومة سلفاً، يصر البعض الآخر على أنها انتخابات مصيرية، ويراهن كثيرون على تغيير حقيقي قد ينتج عن هذه الانتخابات، ولكن من يعرف الواقع اللبناني يدرك أنها ستكون حلقة من ضمن سلسلة حلقات سيطرة “حزب الله” على لبنان ومؤسساته.

ومن ينظر الى أعداد المرشحين واللوائح في مختلف المناطق اللبنانية يصاب بالاحباط، ليس لكثرة أعداد المنافسين وخصوصاً أولئك الذين ينتمون الى خط سياسي واحد أو الى مجموعات ثورية تنشد التغيير وحسب، بل لغياب أي مشروع جدي وواقعي.

فالقوى السياسية أو كما يحلو للبعض تسميتها الأحزاب التقليدية السيادية، يبدو مشروعها محصوراً فقط بالحصول على مقاعد تخوّلها الحفاظ على مكتسباتها في السلطة أو حتى الحصول على مكتسبات أكبر ومناصب أعلى، بينما ينحصر خطابها السياسي بشعارات عن السيادة والاستقلال ورفض الهيمنة الايرانية من خلال “حزب الله” من دون أي خطة عمل أو مشروع حقيقي لوضع حد لهذه الهيمنة، حتى تكاد شعارات السيادة تتحول الى حفلة مزايدات وخصوصاً أنه في كثير من المناطق تتشابه هذه الشعارات والخطابات بين المتنافسين أنفسهم حد التطابق، فيسأل المرء نفسه لماذا وعلى ماذا اذن يتنافسون ويتخاصمون؟ ليبدو واضحاً أن التنافس في المناطق ذات الغالبية المسيحية هو على منصب رئيس الجمهورية المقبل، أو عدد وزارات أكبر، وفي المناطق السنية التي ازداد التخبط فيها بشكل كبير بعد اعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي وعدم مشاركته وتياره في الانتخابات، تنحصر المنافسة على من سيرث التمثيل السني ومن سيكون صاحب لقب دولة الرئيس. اما الحديث عن “حزب الله” وسلاحه في الحالتين، أي المسيحية والسنية، فهو للاستهلاك الانتخابي اذ لا مشروع جدياً مطروحاً للمواجهة أو للحد من هيمنة السلاح على الحياة السياسية سوى الشعارات والشعارات فقط.

بينما في المناطق ذات الغالبية الدرزية تبدو المعركة حقيقية بين رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط و”حزب الله”، فبعد سنوات من ربط النزاع بين الطرفين، يرى الحزب أن الوقت حان للحد من نفوذ جنبلاط، وان كان جنبلاط متمسكاً بسياسة ربط النزاع الا أن الحزب يريد ما هو أكثر، يريد كسر أحادية التمثيل الدرزي.

اما على صعيد القوى التغييرية أو الثورية كما تطلق مجموعات شاركت في 17 تشرين على نفسها، فيحاول المراقب جاهداً أن يفهم ماذا تريد وعلى ماذا تختلف، شعارات وشعارت كلها تنحصر بالتخلص من “المنظومة الحاكمة” ووعود بالانماء والعدالة والمساواة، من دون أي ذكر لآلية هذا التغيير المنشود أو استراتيجية أو خطة لتنفيذ هذا الانتقال من حكم “المنظومة” الفاسدة الى حكم الدولة العادلة والقوية. ومع توزيع اتهامات بشكل عشوائي، وان كان الكثير منها محقاً، الا أن الملفت في غالبية الأوقات هو تحييد يصل الى درجة التغاضي عن ذكر سلاح “حزب الله” ومشاركته في حروب وأعمال ارهابية في دول عربية عدة، ناهيك عن جرائمه المالية المثبتة في عدد من دول العالم. وهنا الحديث عن غالبية المتنافسين على لوائح القوى التغييرية وليس جميعهم.

وتبقى مناطق سيطرة الثنائي الشيعي وخصوصاً “حزب الله” الأكثر هدوءاً، فالشهية للترشح والتنافس محدودة على عكس المناطق الأخرى، وثقة الحزب بأنه وحده وحركة “أمل” من يمثلان الطائفة الشيعية ثابتة، كيف لا وقد أعطاهما قانون الانتخابات الهجين هذا “الحق” مضافاً الى قوة السلاح، ففقد المجلس حضور أي تمثيل شيعي من خارج الثنائي.

انتخابات يبدو أنها لن تكون سوى خطوة جديدة لتثبيت نفوذ “حزب الله” وسيطرته، وهذه المرة دستورياً ان حصل على ثلثي أعضاء المجلس، لتصبح كتلة “حزب الله” عابرة للطوائف، وليكتشف البعض بعد فوات الأوان أن سياسة ربط النزاع محلياً كانت أقل الخيارات ضرراً.

شارك المقال