ما دخل أوكرانيا بالصين؟ (٣)

بندر بن عبدالله

هل هناك ترابط بين الأحداث إذا كان المصدر في الحدث الأول هو من يشارك في الحدث الثاني؟ أم انها قد تتشابه في أهلها وتختلف في مضمونها؟

قال سلام لرفاقه المجتمعين: “لقد أمضينا وقتا في تقمص شخصيات المسؤولين المؤثرين في حرب أوكرانيا، وفي نظري ان موضوعنا الليلة يضع عراقيل أمام المضي بهذا التقمص!”. رد أحدهم: “لماذا تقول ذلك؟ لقد كانت تجربة جميلة وآمل أن تستمر”. قال الآخر: “أعتقد أن غياب فرد من المتقمصين هو ما أشار اليه سلام بالعراقيل…”. قاطعه سلام: “لا لم يكن ذلك هو السبب! السبب أن هناك جهتين مختلفتين يهمنا الحديث عنهما، وتقمص تلك الشخصيات سيذهب بنا الى تفرع غير إيجابي! خاصة عندما نتكلم عن الغرب وترأس أميركا له، في مقابل ذلك الصين!”. رد أحدهم: “حسنا، ماذا يدور في رأسك يا سلام؟ خاصة أننا مجتمعون ونريد إبداء آرائنا”. رد سلام: “نقلب الأمور ونبدي آراءنا بذلك”. إتفق الجميع على ذلك. فقال سلام: “سأطرح سؤالا قد يسهل علينا البدء بهذا الموضوع، ما دخل الصين في حرب تقوم بها روسيا ضد أوكرانيا والغرب؟”. رد أحد الأصدقاء: “العلاقة القائمة على المصالح بين الصين وروسيا هي من أجج الخلاف الأميركي – الصيني”. قال أحدهم: “ما تنويه أمبريكا ببسط نفوذها في بحر الصين الشرقي والجنوبي وكذلك بحر اليابان وبحر الفلبين هو ما أثار رعب الصين، خاصة أن تايوان تفصل بين بحر الصين الشرقي والجنوبي، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية هما ما يفصل بين بحر الصين الشرقي وبحر اليابان، علما أن كوريا الجنوبية لها منفذ على البحر الأصفر، اما بحر الفلبين فهو مفتوح ومفتاح المرور لجزر سليمان التي اتفقت الصين مع حكومة تلك الجزر على استئجار مواقع فيها”. قال آخر: “ماذا عن كوريا الشمالية التي لها مطلان على البحر الأصفر وبحر اليابان؟”. تنهد سلام وقال: “كل معلوماتكم صحيحة، وهذا النفوذ الاستراتيجي هو بيت القصيد…”. قاطعه أحدهم بقوله: “اليابان وكوريا الجنوبية قويتان في إقتصادهما وصناعاتهما وقوتهما العسكرية! ألا تهاب الصين منهما؟ وهذا بحد ذاته سيخفف عن أميركا الكثير”. أجاب سلام: “يجب أن ننتبه إلى موضوع مهم، أميركا من الدول المهتمة بعدم إنتشار السلاح النووي، بغض النظر عما تفعله مع إيران، لذا نرى التزامها بالدفاع عن اليابان وكوريا الجنوبية وكذلك ألمانيا، بعكس الصين التي سهلت نقل التكنولوجيا النووية الى شمال كوريا، لذا علينا ان نتذكر ذلك، إذا أبدت أميركا رغبتها في أن تقوم تلك الدول بحماية نفسها فسنشاهد دولا جديدة تنضم إلى الدول النووية! وهذا سيؤدي الى النزاعات الخطرة في أوروبا متمثلة في ألمانيا، والشرق متمثلة في اليابان وكوريا الجنوبية خاصة أن أستراليا تقع في الشرق كذلك. إن التزام أميركا بالدفاع عن تلك الدول جعل الأخيرة رائدة في أبحاثها وصناعاتها مما أدى الى الارتقاء بموقعها الاقتصادي، وهذا بحد ذاته نفع الجميع في شراء تلك الدول من أميركا السلاح والتقنية”. شارك أحد الأصدقاء بقوله: “تفكير أميركا سليم في الشرق. الغريب في الأمر أنها في الغرب لم تساعد نفسها بسبب موافقتها على إيقاف البطاقات الإئتمانية (فيزا وماستركارد وأميركان اكسبرس) في استخدامها من قبل الروس مما جعل هؤلاء يذهبون ويستخدمون بطاقة الإئتمان الصينية، وهذا بدوره ساعد الصين في ذلك!”. سأل آخر: “ماذا عن قول أميركا ان الروس طلبوا من الصين أسلحة؟”.

عقب سلام: “كلامك عن البطاقات الإئتمانية تحليل سليم، اما عن طلب الروس أسلحة من الصين فهذا قول الغرب! كيف يطلب الروس أسلحة من الصين التي تعتمد نوعا ما في صناعة الأسلحة على التقنية الروسية؟ الآن دعونا نفكر في لب هذه القضية وهو ما دخل أوكرانيا بالصين؟”.

بعد حضور الشاهي وأخذ قسط من الراحة، صمت سلام قليلا ثم قال: “حتى يتسنى لنا أن نفهم مواقف الصين من تايوان يجب أن نشير الى تاريخ العلاقة. كانت جمهورية الصين الوطنية – الاسم الرسمي لتايوان – تابعة للصين الشعبية حتى العام ١٨٥٩ ثم بعد ذلك خضعت لسيطرة اليابان وفقا لمعاهدة (سيمونسكي)، ولكن عادت الى الصين بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في العام ١٩٤٥. قبل ذلك نشير الى تأسيس جمهورية الصين الشعبية في العام ١٩١١ من قبل المعسكرين الشيوعي و(الكومينتانغ) الوطني وأخذ معسكر (الكومينتانغ) تايوان عاصمة له. بعد ذلك شهدت الصين حربا أهلية مع نهاية الحرب العالمية الثانية والتي دارت بين الحزبين اللذين ذكرتهما واستمرت حتى العام ١٩٤٩، وانتهت بتأسيس الحزب الشيوعى لجمهورية الصين وعاصمتها بكين، بعد هزيمة القوميين الصينيين، وفرارهم إلى تايوان حيث أقاموا هناك جمهورية الصين الوطنية واتخذوا من تايبه عاصمة لهم وقالوا انها عاصمة لكل الصينيين في العالم”.

سأل أحدهم: “ماذا بعد ذلك؟ أريد أن أعرف المزيد”.

إسترسل سلام بقوله: “هناك ثلاث جزر كانت خارج سيادة الصين قبل إستعادة إثنتين منها وهما هونغ كونغ التي كانت خاضعة للحكم البريطاني حتى العام ١٩٩٧، ومكاو التي كانت خاضعة للبرتغال، وبقيت جزيرة فورموزا المستقلة والتي اتخذت لاحقا إسم تايوان”. قال أحد الأصدقاء: “حسب علمي أن تايوان كانت هي الأصل في مكونات الأمم المتحده! كيف أصبحت الصين مكانها؟”.
رد سلام: “تايوان كانت عضوا مؤسسا في منظمة الأمم المتحدة وأحد أعضاء مجلس الامن الدائمي العضوية، وكان ذلك بضغط من الغرب وخاصة أميركا التي إعتلت مكانتها وتأثيرها العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتي كانت تنحاز الى تايوان،
١٤٤٣/٩/٦ ٢٠٢٢/٤/٧

وضد الشيوعية، وبعد ضغوط دولية على الأمم المتحدة لنقل عضوية الأمم المتحدة الى الصين ومن ثَم الى مجلس الأمن، خاصة أن جمهورية الصين الموحدة هي الكيان السياسي المسيطر قبل الحرب الأهلية الصينية، بناء على ذلك ظهر قرار الأمم المتحدة بهذا التحول في العام ١٩٧١”. قال أحدهم في تساؤل: “هل قرأتم وصف المؤرخ الأميركي نيل فيرجسون (الثعلب والقنفذ) ووصفه بأن الثعلب هي أميركا ولديها أهداف كثيرة، ووصف الصين بأنها القنفذ ولديها هدف واحد وهو ضم تايوان!. وذكر فيرجسون حادثتين، الأولى وهي؛ المقابلة السرية بين وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مع رئيس وزراء الصين حينها شو أونالاي في العام ١٩٧١، اما الثانية فهي في العام ٢٠٢٠ بين وزير خارجية دونالد ترامب، مايك بومبيو وممثل الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعى الصيني، ولا أستبعد أن اجتماع شهر مارس (اذار) الماضي ٢٠٢٢ الذي عقد في روما بين جاك سوليفان مع مستشار الخارجية الصيني كان لب الموضوع فيه جزيرة تايوان”.

هز سلام رأسه وقال: “أعتقد ذلك، ولنتذكر أن تايوان تربط بين بحر الصين الشرقي والجنوبي بمضيق يحمل اسمها، وهذا المضيق يعتبر أهم الطرق للوصول الى اليابان ويمثل شريانا مهما لصادراتها ووارداتها. الآن سأطرح عليكم ما شغلني خاصة في شهر سبتمبر (أيلول) ٢٠٢١ الماضي، لننظر إلى بعض الأحداث؛
ـ تحالف ثلاثي بين أستراليا والمملكة المتحدة وأميركا بمسمى (اوكوس) وقد حدث ذلك في منتصف شهر سبتمبر.
ـ منتصف سبتمبر ألغت أستراليا عقدا مع فرنسا تم في ٢٠١٦ لشراء غواصات، واستبدل بعقد مع أميركا لشراء غواصات نووية.
ـ سحب صواريخ باتريوت من الخليج العربي في سبتمبر ٢٠٢١.

وهذا يجعلني أتساءل، هل أميركا وحليفاها الانجلو ساكسون (المملكة المتحدة وأستراليا) على علم بحرب أوكرانيا؟ وهل استباق أميركا فعل ما ذكرت يجهز لوضع حربي في أوروبا ولجم الصين؟”.

التفت أحد أصدقاء سلام وقال: “وهذا يبين كذلك ما حصل مؤخرا في جزر سليمان التي تقع شمال أستراليا بحوالي ٢٠٠٠ كم، حيث جاء أكثر المتظاهرين في عاصمة جزر سليمان، هونيارا، من جزيرة مالايتا المجاورة وحاولوا اقتحام مبنى البرلمان واحراق الحي الصيني هناك بحجة أن رئيس وزراء جزر سليمان (سوغافار) همش قراراتهم وكذلك معارضتهم له في نقل إعترافه من تايوان الى الصين في العام ٢٠١٩”.

قال سلام: “في نظري هذا صحيح، وتركيز أميركا على دفعها ألدول الأوروبية لتقتدي بها، سيجعلها تفعل ما بوسعها من فرض عقوبات على روسيا كي ترى الصين ما هي مقبلة عليه إذا جنحت الى مساعدة روسيا. وبالنظر الى الميزان التجاري للصين مع أميركا والذي بلغ ٥٨٨ مليار دولار، وكذلك مع أوروبا الغربية حيث بلغ ٥٩٠ مليار دولار مقارنة مع التبادل التجاري مع روسيا حيث بلغ ١٤٦ مليار دولار، سيجعل الصين تفكر كثيرا قبل القيام بأي شيء!. هنا التزمت الصين الحياد بعد أن قالت في أوائل فبراير (شباط) من هذا العام قبل حرب أوكرانيا بأن الصداقة بين الصين وروسيا لا حدود لها، وتعارض توسع الناتو شرقا. وقالت بعد حيادها: يجب احترام سيادة جميع الدول لأراضيها. لكنها ترى أن تمدد الناتو شرقا هو سبب غزو روسيا لأوكرانيا والذي أوصل العالم الى ما هو عليه الآن”.

بعد مضي القليل من الوقت، قال لسان الحال: “سبحان من عرف خلقه بقوله: (ظهر الفَساد ِفي البر والبحر ِبما كسبت أَيِدي النَّاس ليذيقَهم َبعض الَّذي عملوا لَعلَّهم يرجعون)”.

شارك المقال