لبنان والسعوديّة والكويت… والعرب!

رامي الريّس

لا يمكن التقليل من أهميّة العودة العربيّة إلى لبنان، وفي طليعتها العودة السعوديّة ومن ثم الكويتيّة، ذلك أن هذه الخطوة بما تحمله من معانٍ ودلالات كبيرة بعد حالة القطيعة القسريّة التي مرّت بها علاقات لبنان مع العرب، تصب في خانة إعادة التوازن المفقود في البلاد وإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي في إطار الحاضنة العربيّة.

لقد وقفت كل من المملكة العربيّة السعوديّة والكويت إلى جانب لبنان في الأوقات الصعبة وقدمتا المبادرات السياسيّة المتلاحقة أثناء الحقبة التي إندلعت فيها الحرب الأهليّة اللبنانيّة، كما أنهما لم تتأخرا عن دعمه في المشاريع التنمويّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة والصحيّة (معظم المستشفيات الحكوميّة في مختلف المناطق شُيّد بتمويل كويتي). وكانتا في مقدمة الدول التي تشارك في المؤتمرات الإقتصاديّة لدعم لبنان (باريس 1و2 و3 ومؤتمر “سيدر” وسواها).

كما أن إتفاق الطائف الذي لا يزال الناظم الأساسي للحياة الوطنيّة والسياسيّة اللبنانيّة منذ سنة 1990 (على الرغم من المحاولات المنهجيّة لشيطنته وتجاوزه من بعض اليمين اللبناني المتطرف الذي يفتعل المعارك الوهميّة حول الصلاحيّات لتعزيز حضوره الشعبي)، هو الإتفاق الذي حسم نهائيّة لبنان وعروبته وصيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بمعزل عن النمو الديموغرافي.

وإذا كان البعض ينسى أو يتناسى، فثمة جهود إستثنائيّة ودعم كبير قُدّم للبنان من هاتين الدولتين بعد كل عدوان إسرائيلي أثناء الحرب وبعد إنتهائها سنة 1993 و1996 و2006. ويعود الدعم الكويتي لقطاع الكهرباء اللبناني الى العام 1966 من خلال تمويل بناء محطة جونيه. كما أن الصندوق الكويتي موّل تكاليف إعداد دراسة جدوى فنية واقتصادية عام 2012، وقد أفضت تلك الدراسة إلى ضرورة إنشاء ثلاث محطات توليد للطاقة. إلّا أن التيار العبثي الممسك بوزارة الطاقة لم يكن معنياً بتبني نتائج الدراسة أو الافادة منها. وعلى الرغم من أن الصندوقين الكويتي والعربي قدما مقترحات تمويليّة تصل إلى نحو 1،5 مليار دولار لمدة عشرين سنة، وبفائدة مخفضّة لا تتجاوز 2%، مع فترة سماح قبل المباشرة بسداد أصل الدين؛ إلا أن كل ذلك ضُرب عرض الحائط لأنه لم يكن ثمة مجالات للسمسرة والصفقات في حال سلوك هذا الخيار التمويلي.

ليس الهدف من هذا السرد إستعادة وقائع البعض منها معروف للرأي العام اللبناني أو التذكير بالأبواب المفتوحة للبنانيين في دول الخليج العربي للإقامة والعمل؛ بل للدلالة على أن أولئك الذين يهاجمون هذه الدول العربيّة ينكرون كل هذا الدعم، ويريدون جر لبنان وأبنائه إلى الانغلاق والعتمة والفقر والاذلال، ويدمرون ما تبقى من إستمرارية للمجتمع اللبناني المرهق والذي يرزح تحت أسوأ أزمة إقتصاديّة وإجتماعيّة وماليّة في تاريخه.

ألا يكفي هؤلاء ما ألحقوا لبنان به من مشكلات وكوارث على مختلف المستويات؟ ألا يكفيهم الضرر الذي لحق بشركات ومؤسسات وأفراد لبنانيين جرّاء مواقفهم السياسيّة المتهورة التي لا يوافق عليها السواد الأعظم من اللبنانيين؟

لا بديل عن العمق العربي للبنان مهما حاول البعض تشويه هويته!

شارك المقال