صرف “الصندوق” الـ 3 مليارات مرهون برئيس لا يعطل؟ 

وليد شقير
وليد شقير

تضمن البيان الذي أصدره صندوق النقد الدولي في السابع من نيسان عن التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع الحكومة اللبنانية، فقرة ذات دلالة عن توقعات الصندوق للمرحلة المقبلة، في شأن الإصلاحات الرئيسة التي عددها، إذ نص على أن “السلطات اللبنانية أعربت عن التزامها القوي بتنفيذ البرنامج الإصلاحي ومواصلة التنفيذ الحاسم خلال الفترة المقبلة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.

التزام السلطات اللبنانية “الحاسم” هذا يجب أن يتم الوفاء به قبل الاجتماع المقبل لمجلس الإدارة التنفيذي للصندوق، لأن تحوّل الاتفاق إلى عقد فعلي بين الصندوق ولبنان ليصبح بالإمكان صرف مبلغ الثلاثة مليارات دولار التي سيقرضه إياها الصندوق على مدى أربع سنوات، يحتاج أيضاً إلى موافقة الشركاء المموّلين، بعد تنفيذ الإصلاحات “بأسرع وقت”.

فَهِم بعض الوسط السياسي أن هذه الإصلاحات العميقة المطلوبة، يفترض بلبنان أن ينفذها قبل الانتخابات، وأن بعضها سيمتد تنفيذه حتى الانتخابات الرئاسية في أيلول – تشرين الأول المقبل، ما يوحي بأن صرف المبالغ المقررة قد لا يتم إلا بعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، في الخريف المقبل.

وإذا كان طبيعياً أن ينتظر المجتمع الدولي قيام السلطة الجديدة قبل أن يرصد مبالغ تعين لبنان على الخروج من المأزق الكبير الذي هو فيه، فإنه مع استمرار تعاطي المجتمع الدولي مع السلطة القائمة لا يلغي القناعة التي باتت من ثوابت الدول المعنية بلبنان، بأن هذه السلطة سبب رئيس لانزلاق لبنان إلى الحفرة التي وقع فيها، لا سيما أن المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي – مؤسسة التمويل الدولية – بنك الاستثمار الأوروبي – بنك التعمير الأوروبي- وكافة المؤسسات المالية والاستثمارية العربية التي استدان منها لبنان) والتي تراقب الوضعين المالي والاقتصادي فيه، تدرك منذ قرابة العشرين سنة أن إدارة اقتصاده وماليته العامة تحتاج إلى تغيير أساس وإصلاحات جوهرية، حالت الظروف السياسية دونها. ففي أرشيف هذه المؤسسات ووزارات الخارجية والمال في الدول الأعضاء في مجالس إداراتها والمساهِمة في الصناديق المالية والاستثمارية، ما يكفي من تقارير عن الظروف السياسية التي مرت على البلد وحالت دون تصحيح وضعه المالي، كلما انبرى فريق في السلطة من أجل التجاوب مع المطالب الدولية الإصلاحية.

في ذلك الأرشيف وقائع عما كان يحصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري مثلاً، في كل مرة انعقد مؤتمر دولي من أجل دعم لبنان مالياً، مثل مؤتمرات باريس 1و2 و3: يلتزم بالإصلاحات لكن بعد عودته من هذه المؤتمرات، يتعرض للحملات، ويجري إغراق البلد بتصاعد الصراع السياسي، بهدف إبقائه مأزوماً، يحتاج إلى التدخل السوري لتسوية الخلافات الداخلية. هذه كانت الحال أيام الوصاية السورية. ولا يختلف الأمر في زمن النفوذ الإيراني الذي عرف كيف يستخدم التناقضات التي يثيرها استئثار حليف “حزب الله” في الرئاسة الأولى، بالسلطة، ويستثمر التغطية المسيحية التي أمّنها له “التيار الوطني الحر”، لتحويل لبنان إلى منصة لمشاريع طهران الإقليمية وضد دول ساعدت البلد مالياً، في طليعتها المملكة العربية السعودية. فالإصلاح في البنية الاقتصادية والإدارية والمالية اللبنانية يقطع الطريق على وضع اليد على القرار في البلد، لأنه يقوي الدولة المركزية سياسياً، وينهي الفوضى التي تحكمت به…

لدى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تقدير عن مجموع المبالغ التي وُعد بها لبنان من قبل المجتمع الدولي في المؤتمرات المتعاقبة خلال السنوات الثلاثين الماضية منذ “مؤتمر أصدقاء لبنان” في العام 1996 وصولاً إلى مؤتمر “سيدر” في العام 2018، ويقول إنها تناهز الـ33 مليار دولار لم يحصل منها إلا على قسم بسيط نتيجة الخلل في توازناته الداخلية وعلاقاته الخارجية، الذي حال دون تصحيح مؤسساته والإنفاق العام.

يطول الشرح عن ارتباط تصحيح الوضع المالي بطبيعة السلطة الحاكمة وتوجهاتها. لكن ربط بيان صندوق النقد، المصادقة عليه من قبل مجلس الإدارة التنفيذي بإنجاز الإجراءات المطلوبة، والإيحاء بأن تنفيذها “الحاسم”، يترافق مع الانتخابات التشريعية والرئاسية، يشي بأنه ينتظر إزالة العوائق السياسية التي حالت دون تطبيقها إلى الآن، وبالتالي تغييراً في السلطة، أو تجديداً في أشخاصها.

هل يستطيع لبنان الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية مطلع الخريف في ظل الأزمات التي يعيشها والتي تتوالد كالفطر، بالتزامن مع حماوة الحملات الانتخابية، في الكهرباء، والدواء والاستشفاء، والطحين والمحروقات والنفايات، في وقت ما زالت بعض الشروط – القوانين التي على البرلمان الحالي إقرارها كالموازنة والكابيتال كونترول وتعديل قانون السرية المصرفية تخضع للتجاذب والتكاذب في الوقت نفسه، حول إمكان إنجازها؟

وهل بإمكان لبنان الصمود بينما تميل التوقعات إلى أن النواب لن يتحملوا وزر التدابير القاسية المطلوبة قبل الانتخابات في وقت هناك بعضها يناقض مصلحة بعضهم، كونهم شركاء في مصارف وسبق أن تورطوا في عمليات فساد، وانتفعوا من المال العام؟

المشاريع الثلاثة هي رزمة من أصل العناوين الثمانية التي تضمنها الاتفاق الأولي مع الصندوق (منه هيكلة القطاع المصرفي والتدقيق في وضعية 14 مصرفاً أساسياً، وفي مصرف لبنان، وحماية صغار المودعين، توحيد سعر الصرف، تعزيز الحوكمة والشفافية ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، استراتيجية هيكلة الدين وإصلاح النظام الضريبي…).

كل بند من البنود يحتاج إلى توافق سياسي. وإذا من آمال بتحقيق بعض الخطوات قبل انتهاء ولاية البرلمان، فإن صندوق النقد، بربطه التنفيذ بالانتخابات، يحتاط لاحتمال الفراغ الحكومي بعدها، ثم في الرئاسة. والأرجح أن هذا الربط يبقي المساعدة المالية مشروطة بعدم لجوء الفرقاء المعتادين على تعطيل الاستحقاقات، إلى هذا الأسلوب مجدداً. لكن هذا الربط يؤشر أيضاً إلى أن هوية الرئيس المقبل يجب أن تكون من طينة غير مطواعة لآفة التعطيل، التي حكمت عهد الرئيس ميشال عون، وسرّعت في الانهيار اللبناني، وملتزمة تسهيل الخطوات الإصلاحية من دون عرقلة أو ابتزاز من أجل المكاسب والمنافع الفئوية.

قد تكون عودة دول الخليج إلى لبنان على عتبة التجديد المفترض في السلطة عاملاً أساسياً من عوامل إدارة المرحلة الانتقالية التي ستمر بها الجلجلة اللبنانية في الفترة الزمنية الفاصلة بين الاتفاق الأولي مع صندوق النقد، وبين انتخابات الرئاسة الأولى. وتفاهم الدول الغربية، وفي مقدمها فرنسا، مع الدول الخليجية، وفي طليعتها السعودية، على صندوق المساعدات الإنسانية، هدفه التخفيف من حدة الأزمة المعيشية التي ستبقى على وتيرتها في حال عرقلة الإصلاحات وتعطيلها، ريثما تتضح هوية السلطة الجديدة.

شارك المقال