قراءة لمواقف جنبلاط الأخيرة… ومستقبل “التقدمي” بيد تيمور

عبدالله ملاعب

مواقف نارية أطلقها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في إطلالته الأخيرة التي أتت ضمن لقاء جمعه بالاغتراب اللبناني. إجابات صريحة وكلام واضح لجنبلاط أكد فيه أن حزبه لم يتخل عن طرح نزع سلاح “حزب الله”، مذكرا بمواقف “اتخذها التقدمي تؤكد عدم القدرة على الاستمرار بالسلاح وهو خارج نطاق الدولة”. مع ذلك، لا يزال جنبلاط يراهن على نجاح المواجهة سلميا وعبر برلمان ذي غلبة سيادية، إذ ذكر بأن ميشال عون لم يأت الى بعبدا بقوة السلاح بل بالتفاهمات، وأن سعد الحريري أراد سليمان فرنجية، وسمير جعجع أتى بميشال عون، قاطعا الشك بالقول: “ان المطلوب رفض أي مرشح سوري أو ايراني لرئاسة الجمهورية، وتكتل اللقاء الديموقراطي لن يصوت لا لباسيل ولا لفرنجية”.

رئيس “التقدمي” الذي غاب عن اعلان لائحة “الشراكة والارادة” في الشوف وعن حضور اللقاءات التي يعقدها تيمور في القرى الشوفية، أعلن في اللقاء الاغترابي انسحابه الكامل من المشهد السياسي اللبناني في السابع من أيار المقبل، بحيث ستكون له كلمة في مهرجان سيُقام بمناسبة العيد الخمسين لتأسيس مؤسسة “العرفان التوحيدية”.

جنبلاط الذي مهد لتيمور الزعامة منذ ما قبل تسليمه عباءة القيادة الجنبلاطية والكوفية الفلسطينية في الذكرى الأربعين لاستشهاد كمال جنبلاط في آذار 2017، أعلن إنسحابه من الحياة السياسية في معرض رده على سؤال حول ما سيقدمه تيمور لجمهور الثورة لجذبه الى الخط السيادي الذي لطالما تميزت به المختارة، قائلا: “هذا السؤال يوجه الى التيمور وله الدفة والمستقبل ويعرف كيف يجيب بكل وضوح، له أفكاره واستقلاليته ولست انا من يجيب عنه”.

وكان جنبلاط ذكَّر في اللقاء الذي أتى ضمن الحملة التي أطلقها منذ إندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2020، بإنسحابه التدريجي من قيادة الحزب “التقدمي”، مُثنيا على الحملة الانتخابية للحزب في انتخابات 2022 التي حملت عنوان “صوت العقل – إراداة الغد”. واقترح إضافة “إرادة التغيير” عليها، متحدثا عن جيل جديد يأتي مختلفا عن العقليات الماضية والمحاور، ويريد لبنان سيدا مستقلا بعيدا من الانقسام الطائفي.

جنبلاط تحدَّث عن معركة تحرير لبنان، معتبرا أنها لم تبدأ بحراك 17 تشرين 2019، بل في العام 2004 مع الاعتراض على التمديد لإميل لحود ومن وراءه قاصدا بذلك السوري والايراني. وذكَّر بالاصرار على المواجهة “على الرغم من جريمة القتل التي لم تتوقف” والتي بدأت مع محاولة اغتيال مروان حمادة وكانت اخر محطاتها إغتيال لقمان سليم.

وقال: “إن المحور السوري الايراني والتيار الوطني الحر ضد ما تبقى من قرار وطني حر في المختارة وفي غير المختارة”. ورفض اعتبار الانتخابات النيابية معركة تيمور جنبلاط بل معركة “القرار الوطني العربي السيادي المستقل”.

ورأى أن وزارة الخارجية والمغتربين “دكانة بيد جيران باسيل باستثناء بعض الموظفين الوطنيين فيها”، معتبرا أن “التيار الوطني الحر” لن يوفر أي طريقة تحميه من أصوات الاغتراب.

وفي السياق، أكد تمايز رئيس مجلس النواب نبيه بري عن “حزب الله”، في خطوة جريئة تعكس عمق العلاقة التي تربط جنبلاط ببري، والواقع الداخلي للثنائي. وذكر بأن بري لم يزر سوريا منذ إندلاع الأزمة، مشيرا الى أنه “يواجه ضغوطا سورية إيرانية ولا يوافق دائما على سياسة حزب الله”.

أضاف: “الأمر ليس سهلا، ننسق في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان لسنا في المسعكر نفسه”. وتحدث عن معركة دائرة راشيا – البقاع الغربي حيث وائل أبو فاعور يواجه اللائحة المدعومة من الرئيس بري، وعن لائحة “بعبدا السيادة والقرار” التي تضم الى جانب عضو “اللقاء الديموقراطي” هادي أبو الحسن مرشحين شيعيين في وجه لائحة الرئيس بري. وكذلك هو الواقع في دائرة بيروت الثانية حيث لم يترك المقعد الدرزي شاغرا في لائحة الثنائي بوجه فيصل الصايغ.

مصادر “التقدمي” فسرت موقف جنبلاط، معتبرة أن بري “مع القرار الوطني المستقل الذي يدافع عنه التقدمي ولكن نتيجة الواقع الشيعي فاهتمامه بعدم حصول أي إشكال داخل الطائفة الشيعية، ولذلك الضغط الذي يتعرض له بري”.

وذكرت المصادر بالقوة المالية والعسكرية التي يملكها “حزب الله” والتي تمنع أي مواجهة لحركة “أمل”.

جنبلاط الذي إنتهج خيار “التنوع ضمن الوحدة” في تعاطيه الدرزي، محافظا على البيت الأرسلاني في أكثر الحقبات التي استأثرت فيها الجنبلاطية بالتمثيل الدرزي، تحدث عن تركه المقعد الدرزي الثاني في عاليه شاغرا للوزير طلال أرسلان فهو لا يريد “خلق مشكلات ونزاعات داخل المجتمع الدرزي” أو ترك ارث من المشكلات والأحقاد لتيمور الذي له رؤيته ونهجه ومقاربته الخاصة في كل الملفات. وإعترف بأن مقاربته للمقعد الدرزي الثاني في عاليه “ممكن أن تكون تقليدية” لكنه ترك هذا المقعد شاغرا “سواء أراده أرسلان أو لا”. يُذكر أن جنبلاط لطالما ترك مقعدا نيابيا لأرسلان إلا في إنتخابات العام 2005 يوم رشح درزيين في عاليه، أكرم شهيب وفيصل الصايغ، قاطعا الطريق يومها أمام أرسلان. في ذلك الوقت سمع جنبلاط انتقادات درزية لاقفاله الطريق أمام تمثيل البيت الأرسلاني، لكن ثمة اليوم من يربط ترك جنبلاط المقعد لأرسلان، على الرغم من وجود غرفة عمليات سورية ايرانية لمحاصرة المختارة، بقانون الانتخاب، إذ أن هذا القانون الذي خيضت على أساسه انتخابات العام 2018 أيضا، يجعل قدرة “التقدمي” على استحصال ثلاثة حواصل في عاليه أمرا شبه مستحيل، ووسط إصرار جنبلاط على عدم حصر تمثيله بالدروز، يرتأي إختيار درزي وماروني، لا درزييَن.

وفي هذه الانتخابات فرض جنبلاط على جعجع ترشيح راجي السعد عن المقعد الماروني في عاليه الذي سينضم الى كتلة “اللقاء الديموقراطي” إن نجح. وبالتالي سينقسم الصوت التفضيلي التقدمي في عاليه الذي يتخطى الخمسة عشر ألف صوت بين أكرم شهيب وراجي السعد.

جنبلاط تناول في اللقاء أيضا عدم دخوله في معركة دائرة حاصبيا – مرجعيون، وتركه المقعد الدرزي في هذه الدائرة للرئيس بري الذي إختار الوزير مروان خير الدين. وقال: “أصواتنا موجودة هناك لكن لا يمكننا ترشيح أحد لأنه لا ينجح”.

ختاما، يخدم قانون الانتخاب الحالي الذي أطلق عليه “التقدمي” شعار “إغدر بأخيك” مشروع “حزب الله” بفرض كتلة ممانعة درزية، لا سيما أنه فرض على “التقدمي” الذي يفضل عدم الدخول في معارك ذات نتائج معروفة مسبقا، التخلي عن مقعدين. ونتيجة انتخابات العام 2018 خير دليل على ذلك لأن شوائب قانون الانتخاب التي تندرج من ضمنها بدعة “الكسر الأكبر” وهبت لائحة الممانعة آنذاك مقعدا مارونيا ثالثا. فهل سنكون هذا العام أمام كتلة درزية ممانعة، أم أن خير الدين وأرسلان لا ثالث لهما؟ القرار للناخبين.

شارك المقال