ما بعد الانتخابات… استمرار الترقيع ولا قرار بالانقاذ

ليندا مشلب
ليندا مشلب

٢٤ يوماً تفصل عن الانتخابات… وهي حاصلة الى أن يطرأ العكس، وهامش التشكيك بحصولها بدأ يضيق، فالكل أعد العدة وبدأ يشعر “بالسخن” بعدما تلاشت احتمالات التطيير أو التأجيل. ومعروف أن السيناريوهات تتغير وفق المعطيات والتطورات، الا أن الثابت الوحيد هو أن لا حلول في القريب المنظور والكباش “مكمل” وعلى أشده، بانتخابات أو من دونها. فالعارفون بمسار الأمور من أهل السياسة العليا يدركون أن النفس الأخير سينتهي خلال أشهر قليلة، وأن ما ينتظر لبنان مخيف، ليس لأن الحلول تعجيزية بل لأن القرار بالانقاذ لم يتخذ بعد. ومع الأسف صمود اللبنانيين ليس لصالحهم هذه المرة لأن الرهان كان على صرخة الآخ المدوية، والتي لم تسمع بعد خصوصاً أن الوعي لدى الغالبية العظمى أفشل جزءاً من المخطط. فصحيح أن الناس “تلفت” واحترقت “أنفاسها” بكل المصائب، لكنها أدركت أن المعركة سياسية بامتياز تتداخل فيها العوامل الاقليمية والدولية ولن يكون حسمها سهلاً…

في الوقائع، يقول مصدر سياسي رفيع لـ “لبنان الكبير”: “نعيش استراحة محارب، قبل الاستعداد للمنازلة الكبرى ضمن المخاض الأخير الذي نعيشه. عام ٢٠٢٢ هو الأسوأ، والانفراج يبدأ مع مطلع العام ٢٠٢٣ (recovery) لماذا؟ هو السؤال الطبيعي، وكيف؟ هو الثقيل جوابه على المسامع… خصوصاً أننا من دون تنجيم أصبحنا نعرف ما ينتظرنا. الأموال شحت الى الحدود الدنيا بالعملتين والاحتياط بات في كعب الخزان والماء المتبقية للشرب فقط وللبقاء على قيد الحياة، دولارنا المدعوم سبقه الغلاء بأشواط ومكابحه في أي لحظة قد تتعطل”.

وهنا يذكر المصدر بما سبق وقاله: “ممنوع نعيش لكن أيضاً ممنوع نموت… لذلك ستبقى سياسة الترقيع انما بوتيرة أقل، لأن القدرة عليها ستزداد صعوبة، والحياة التي عشناها في السابق لن تستحضر الا بجملة: بتذكروا لما… لا عودة الى حياة الرفاهية والنقاهة والكماليات، حتى المقتدرون، ونسبتهم أصبحت قليلة جداً، سيترحمون على تلك الأيام. اللبنانيون سيشعرون في النصف الثاني من هذا العام بضائقة غير عادية، وطأتها شديدة جداً فما بين العام ٢٠١٩ واليوم انزلقنا الى هوة عميقة وكبيرة، عملتنا الوطنية تتدهور سريعاً، والمليون أصبح كالـ١٠٠ ألف ليرة، وصندوق النقد ليس (بابا نويل)، وهو في النهاية شركة عالمية تجارية فيها حسابات ربح وخسارة ولا ذرة رحمة لديه، هذا اذا تجاهلنا قراره السياسي”.

ويكشف المصدر أن توقيع الاتفاق المبدئي ليس سوى “رد جميل” للحكومة على موقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا، بحيث طالب صائغو البيان بالثمن: “عطيناكن موقف شو عطيتونا؟”.

كما يكشف أنه “عشية التوقيع مع وفد الصندوق، والذي كانت المفاوضات معه شاقة جداً بسبب تمسكه بتنفيذ الاصلاحات وصدور القوانين عن مجلس النواب، حصل اجتماع موسع في فندق الـkeys في بيروت شارك فيه سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية وسفراء دول آخرين مع وفد الصندوق الذي كان يقيم في الفندق نفسه وكانت السفيرة الأميركية آخر الواصلين، وتوالت مع السفيرة الفرنسية على إقناع الحاضرين بضرورة أن يحصل هذا التوقيع لأنه مفيد في الوقت الحاضر، مع التأكيد أن حرفاً منه لن ينفذ الا بعد تنفيذ الشروط والاصلاحات، وهذا يفسر الارباك الذي حصل قبل ساعات على التوقيع في القصر الجمهوري. فالمصلحة هي التي تحكم، علماً أن هناك في لبنان من يعتبر أننا نستطيع القيام من دون الصندوق”.

ويضيف المصدر: “حالياً الجميع منهمك بالانتخابات لكن السؤال ماذا سيحصل بعدها؟ هل تتشكل حكومة؟ هل تحصل الانتخابات الرئاسية؟ المخاض السياسي ربما يكون الأكبر ولا سيما أنه يترافق مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة. نحن تحت وطأة حصار وسيطرة جهات تخلق لنا الأزمة تلو الأخرى، لاستخدام لبنان كورقة في بازار الملف الاقليمي، وبمجرد أن يتم الاتفاق الكبير ترفع اليد عن لبنان ونترك لتحديد مصيرنا، والانتخابات يفترض أن تكون قد فرزت القوة التي ستحكم. نحن ضيعة على خارطة الدول، نحتاج إلى مجلس بلدي مرتب وحكومة فاعلة و١٠ مليارات دولار فقط تعيدنا الى الحياة وتحولنا الى مركز استثمار عالمي مجدداً، فحجم اقتصادنا أصبح صغيراً جداً والانقاذ ليس مستحيلاً، لكن العوض بسلامتنا على ما كان لنا…”.

ويسأل المصدر: “أو ليست الجهات التي تدّعي حرصها على الاصلاحات هي نفسها التي وضعت لبنان منذ التسعينيات على هذه السكة؟ فالدول والصناديق والبنك الدولي لطالما أقرضت لبنان، ألم تكن على دراية أننا غارقون في الهدر والفساد وغياب الإصلاحات؟ ألم تهدر ملايين الدولارات في لبنان من أجل تغذية الفتن؟ لماذا الآن تتلطى خلف المطالبة بالاصلاحات، وهي ضرورية وملحة لكن يجب أن تحصل من أجلنا نحن ومن أجل الشعب اللبناني وليس لارضاء الخارج؟”.

المخطط بدأ منذ العام ٢٠٠٥، الأحداث المتتالية ليست صدفة، ومنذ ذلك الوقت ونحن مرتبطون بملف إقليمي ربما يكون قد وصل إلى خواتيمه في مخاض نحن في عمقه. الاتفاق الايراني – الأميركي أصبح وشيكاً، والايراني – السعودي على السكة، ولبنان يرزح تحت وطأة الوقت الصعب بين الاعلان والتنفيذ… سنترك للتشفي ولمعاناة المخاض الذي تحدثت عنه كوندوليزا رايس ولكن بوجه جديد… “وعم نضاين” بأموال المغتربين وبما تبقى من دولارات في “المركزي” وحالياً الضخ الكبير لدولارات الـ ngos قبل الانتخابات، “منقطع” الى أن يقولواgame over وبالانتظار لا شيء سيتبدل، لا كهرباء ولا صندوق نقد ولا خطط تعاف ولا من يحزنون…

شارك المقال