إنتخابات بالاسم… وتسوية جديدة؟

محمد نمر
محمد نمر

أقل من شهر وتنتهي الانتخابات النيابية باحتفاظ “حزب الله” بأكثر من 65 نائباً، بينهم 27 شيعياً بالتمام والكمال، داعمين لسلاح الحزب ومعهم حلفاء تحت مظلته. هي انتخابات تجري على وقع مفاوضات “فيينا” لتحرير ايران من العقوبات الاميركية، وانتخابات تجري على وقع غزل اعلامي بين “حزب الله” والادارة الفرنسية والحديث عن تواصل لم ينقطع بينهما. انها انتخابات ستفتح لـ”حزب الله” نوافذ شرعية على المجتمع الدولي.

ستنتهي الانتخابات. وسنشهد في 16 أيار بقاء “حزب الله” و”القوات” و”حركة امل” و”المردة” و”التيار الوطني الحر” و”الكتائب” و”التقدمي” وممثلي شخصيات وعائلات. يوم الاثنين 17 أيار، ستعيد الطبقة السياسية انتاج نفسها بالوجوه نفسها او بوجوه جديدة.

ستنتهي الانتخابات وسيكون الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس. ويستعد النواب، كتلا ومستقلين، لتسمية رئيس حكومة بعدما بات نجيب ميقاتي رئيساً مصرّفاً للاعمال. هي أيام ينتظر فيها المجلس دعوة رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية، قد تتحول إلى شهر، إذ درجت العادة في “العهد القوي” تأخير الدعوة للاستشارات ضمن معادلة “التأليف قبل التكليف”. خصوصاً أن حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، اذا شُكّلت، ستمسك بزمام السلطة الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد نهاية 2022. وبما ان الفراغ الرئاسي سيدقّ الابواب، فعلى الارجح، لن يسمح ميشال عون بتشكيل حكومة لا تحظى برضى صهره جبران باسيل. واذا نزل الوحي وتمّت الاستشارات واختيرت شخصية ما لتشكيل الحكومة، فإن عمر التشكيل لن يكون قصيراً، وسنصل كالعادة الى مرحلة يتزيّن فيها لبنان برئيسين، رئيس تصريف أعمال ورئيس مكلّف، أو الميقاتي نفسه حاملا الصفتين.

أشهر بلا حكومة، تواكبها حملة مزايدات وشعبوية وتثبيت اقدام وشعر وزجل، وحديث عن نظام وتعديلات دستورية وعن صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فيما تبدأ الغرف السياسية طبخ تسويات على حصص وأحجام وأثلاث معطلة.

يحلّ تشرين بلا حكومة ويدخل لبنان فراغاً رئاسياً وصراع “كسر عضم” بين المسيحيين. يخرج عون من داخل بعبدا لكنه يحاصره سياسياً من الخارج، مدعوماً من “حزب الله” الخبير في تعطيل جلسات الانتخاب. وندخل حينها في متاهة تسوية جديدة.

اسطوانة اعتادها اللبنانيون، لكنهم اعتادوها في ظل اقتصاد صامد لا منهار. فصندوق النقد الدولي حسم أمره ولن يسلّم لبنان قرشاً واحداً قبل انتخاب رئيس للجمهورية وقبل اجراء الاصلاحات المطلوبة والتي باتت مستحيلة مع الطبقة السياسية الحالية. واكبر دليل ما شهدناه امس مع قانون الكابيتال كونترول.

الازمات ستلاحق اللبنانيين في منازلهم واعمالهم ورواتبهم وودائعهم وغذائهم وصحتهم، وربما في أمنهم.

مرحلة نشهد فيها سقوط المؤسسات الدستورية الرفيعة في الدولة، بعدما سقطت مؤسساتها الادارية ووزاراتها وباتت عاجزة عن تلبية الحد الادنى من حقوق المواطنين… فلا ورق ولا مازوت ولا راتب يُلزم موظفاً بالحضور.

سقوط للدولة وسقوط للمواطن وبقاء لـ”حزب الله” وسلاحه. وتصبح حينها كل الشعارات الانتخابية الحالية الرنانة بلا قيمة.

من هنا قد يأتي لاهث على كرسي ليقول ان هذا السيناريو يتطلب مشاركة كثيفة في الانتخابات، تعيد الاكثرية لمحور معارض لـ”حزب الله”. وهنا نتجه مع اللاهثين الى سيناريو خيالي آخر.

إنه 16 أيار، فاز معارضو “حزب الله” بأكثرية ساحقة في المجلس النيابي، توازي اكثرية العامين 2005 و2009، لكن من دون الفوز بأي شيعي معارض واحد. المعركة اليوم في الساحة السنّية على فتات بعد تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي التقليدي، وصراع ديوك بين المسيحيين على الرئاسة، واضعاف للتقدمي بين الدروز، فيما الساحة الوحيدة الهادئة هي الشيعية. واقصى ما قد نشهده فيها اعتداء يُصوّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالذي حصل في الصرفند ولا رقيب ولا حسيب.

سيحتفظ الثنائي بـ27 نائبا شيعيا ومجموعة من الحلفاء، ويكون المجلس مجبراً على ان يكون أحد الشيعة رئيساً للمجلس وحُكْماً هو الرئيس نبيه بري. وعند تشكيل الحكومة سيطالب الشيعة بوزارة المالية للاحتفاظ بالتوقيع الثالث ويطالبون بوزارات وتمثيل يوازي الحجم وإلا لا ميثاقية للحكومة، واذا شكلت بغيابهما فإن “7 أيار” جاهز. يتعطل التشكيل بحثاً عن توافق من تحت الطاولة ونعود إلى نتائج السيناريو الاول عينه سواء لناحية التشكيل او الفراغ الرئاسي والتسوية. ويسقط أيضاً ما تبقى من الدولة والمواطن ويبقى سلاح “حزب الله” الذي اوصل لبنان هذا الدرك.

هل تصبح الانتخابات بلا قيمة؟

انها استحقاق دستوري لا بد منه. لكن اذا كانت المشاركة او المقاطعة تؤدي الى النتيجة عينها، فما قيمة الانتخابات في بلد محكوم من النفوذ الايراني تتسابق فيه القوى على الكراسي وليست مستعدة ان تخسر كرسيين اثنين مقابل الحصول على كرسي شيعي واحد، وتتصارع في ما بينها تاركة حزب الله في حال سبيله ومسلّمةً بأن الشيعة معه.

يقولها عارف شيعي معارض، “فليحكم حزب الله”. هي باتت الحل بأن يحكم هذا الحزب كما حكم الاخوان في مصر. ولا يفهم “حزب الله” سوى لغة العسكرة والامن والقتل والسجن والتعذيب وتقديم الهدايا لايران، لا علاقة له بالاقتصاد والنقد وبناء دولة وادارة المشاريع. ستنهار حينها الدولة كما انهارت في مصر مع حكم مرسي. وسيستيقظ الشعب اللبناني للمواجهة، وستأتي أيضاً تسوية لكنها ستكون من نوع آخر، وبرعاية دولية وعربية تلوي ذراع حزب الله، الا في حالة واحدة اذا سبق حزب الله المجتمع الدولي وبادر الى تسوية لمصلحة الحزب ومحوره.

اخيراً، لبنان يحتاج لأكثر من موقعة انتخابية نيابية، والمشاركة في هذه الانتخابات ستكون نتيجتها واحدة هي ازدياد قوة وشرعية “حزب الله”… فعلاً إنها انتخابات بالاسم فقط.

شارك المقال