هل تتحول أوكرانيا إلى سوريا جديدة؟

حسناء بو حرفوش

من الذي يقرر نهاية الحرب في أوكرانيا؟ في قراءة لباتريك كوكبيرن، مؤلف كتاب War in the Age of Trump، تحذير من ارتباط المصير الأوكراني بالقرار السياسي. “لا بد من أن يدرك الجميع، كما يقول الكاتب، أن نهاية الحرب في حال وصلت المعارك إلى نهاية، ستأتي من الجانب السياسي ولن يحددها الجنود لأن فرص فوز روسيا أو أوكرانيا بنصر حاسم قد تلاشت.

ومع ذلك، يطرح السؤال الرئيس حول توقيت وقف القتال أو فرص التوصل إلى حل وسط في ظل الزخم الهائل للصراع العسكري، علماً أن النقاط الرئيسة المتنازع عليها قد حددت بالفعل. إذ أن روسيا لن تغزو أوكرانيا بأكملها أبداً لأن قواتها لا تملك القدرة اللازمة على القيام بذلك في مواجهة المقاومة الأوكرانية الشرسة والموحدة التي تزودها دول الناتو بالسلاح. وكان ينبغي للرئيس فلاديمير بوتين أن يدرك ذلك قبل وقت طويل من شن الغزو في شباط. وبالمثل، من غير المرجح أن تهزم أوكرانيا روسيا وتخرج قواتها من أراضيها، بغض النظر عن الأسلحة التي تتلقاها من الغرب.

ومن غير المرجح أيضاً أن تكرر روسيا الأخطاء عينها التي ارتكبتها في أول شهرين من الحرب، بحيث ادعى بوتين أنه غزا أوكرانيا لأن روسيا واجهت خطراً وجودياً. كما أن الجمود العسكري لا يصب بالضرورة في مصلحة دول أوروبا الشرقية القريبة من منطقة الصراع. يقول ديبلوماسي كبير من إحدى الدول المتاخمة لأوكرانيا: “هذه قضية رئيسة بالنسبة الينا. فالصراع المنقسم والمجمّد والمتشظي في أوكرانيا هو صفقة سيئة للغاية خصوصاً وأن وجود علاقة نشطة بين أوكرانيا والناتو أمر بالغ الأهمية لمنطقة البحر الأسود”.

ومع ذلك، تحمل سياسة الراغبين في محاربة روسيا حتى النهاية، الكثير من التناقضات. فهم يفترضون أن روسيا قوية بما يكفي لتشكل تهديداً خطيراً لجيرانها، لكنها في الوقت نفسه ضعيفة جداً بحيث يمكن هزيمتها بشكل دائم في ساحة المعركة. كما يصوّرون روسيا على أنها خاضعة للسيطرة الكاملة لحاكم مستبد في الكرملين معزول عن الواقع ولا يتغذى إلا بالأخبار الجيدة من قبل مستشاريه. وهذا يعني أن أولئك الذين يدعون بقوة إلى تحقيق نصر كامل ضد روسيا غير واقعيين تماماً كما كان بوتين قبل شهرين عندما أمر بغزو أوكرانيا متوقعاً حدوث انسحاب.

أضف إلى ذلك أن هذا الافتقار إلى الواقعية مقنع في الوقت الحالي لأن روسيا لا تزال تحاول تحقيق بعض المكاسب الإقليمية على الأقل من خلال الاستيلاء على ماريوبول والمدن نصف المدمرة في دونباس، ولم تحن فرصة شن هجوم مضاد بعد. لكن هناك إشارات مقلقة تدل على أن الأوكرانيين وحلفاءهم الغربيين يتبنون دعاية النصر. في الحقيقة، من المرجح أن يقاتل الجيش الروسي بمهارة أكبر في الأشهر القليلة المقبلة، وذلك فقط لأنه سيؤدي حتماً بشكل أفضل من أدائه الضعيف في البداية. على سبيل المثال، اتُهمت روسيا باتباع التكتيكات القاسية نفسها كما الحكومة السورية المدعومة من الطائرات الروسية ضد المعارضة المسلحة بعد انتفاضة 2011. حينذاك، اقتضت الخطة حصار المناطق الحضرية التي يسيطر عليها المتمردون وقصفهم مع إغلاق المناطق المعادية. وقد نجح هذا النهج بشكل جيد، بحيث قلل من خسائر الجيش السوري وحصر المقاتلين في مساحة معزولة.

والمثير للدهشة أن الروس لم يستخدموا هذه التكتيكات الناجحة في غزوهم لشمال أوكرانيا، ربما بسبب افتقارهم الى القوة البشرية العسكرية. لكن مع بدء المرحلة الثانية من الحرب في دونباس، أفادت التقارير بأن عديد القوات الروسية يفوق الأوكرانيين بنسبة ثلاثة إلى واحد، مما سمح لبوتين بإصدار أمر بفرض حصار على مصانع الصلب في ماريوبول.

وبشكل عام، بدأت الحرب في أوكرانيا تشبه إلى حد متزايد الحرب في سوريا: جمود عسكري وسياسي مع فرص محدودة لكسر الجمود. ويشارك عدد كبير جداً من اللاعبين ذوي الاهتمامات المختلفة في إنهاء الصراع ما لم تكن روسيا والولايات المتحدة مصممتين على القيام بذلك، كما لا توجد مؤشرات تذكر حتى الآن الى حدوث ذلك. وفي منطقة الشرق الأوسط، قد تستمر الحروب نصف المجمّدة لعقود، لكن هناك شك بإمكان حدوث ذلك في أوكرانيا لأن الأزمة لم تعد تتعلق بشكل أساسي بهذا البلد وحسب، ولكنها تحولت إلى مواجهة عامة بين روسيا والغرب”.

شارك المقال