“حزب الله” يريد دولة على قياس الدويلة والمعركة في ساحتين

عبدالله ملاعب

لا يرى “حزب الله” تناقضاً لمشروعه ومواقفه وممارساته في الساحتين اللبنانية والعربية مع منطق الدولة، أو على الاقل هذا ما يريد إقناع اللبنانيين به. إذ يحرص اليوم، عشية الانتخابات النيابية، وأكثر من أي وقت مضى، على التأكيد في إطلالات سيده وجولات مرشحيه وصولات قياداته، على بدعة تمسك “المقاومة” بالدولة ومؤسساتها. يقول نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” علي دعموش، وبالفم الملآن: “إن حزب الله خياره الدولة ولسنا بديلاً عنها”، محاولاً، لزوم المعركة الانتخابية، نسف تاريخ “حزب الله” أو على الأقل السهام التي أطلقها أمينه العام السيد حسن نصر الله شخصياً بإتجاه صدر الدولة اللبنانية، وفي الأشهر القليلة الماضية، يوم هدد الدولة بالاتيان بالمحروقات الايرانية إن بقيت الطوابير فأتت فتات المحروقات وتحول الحزب الى أحد تجار المازوت. ويوم هدّد الحاج وفيق صفا قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار باعثاً له رسالة يقول فيها: “اذا ما مشي الحال معك رح نقبعك”، فكانت أحداث الطيونة وفعلاً قبع “حزب الله” القاضي البيطار بأسلوبه المافياوي الخاطف المعروف.

يتناسى “حزب الله” الذي يصوّر نفسه اليوم الحريص على دولة المؤسسات، إنقلابه على الدولة وتكريسه دولة “حزب الله” ونسفه المؤسسة العسكرية بهيبتها ومكانتها ودروها يوم قال للبنانيين في الأمس القريب: “تأدبوا، قعدوا عاقلين، أملك 100 ألف مقاتل”. كذلك، تتناسى اليوم قيادة “حزب الله” التي تجول المناطق متحدثة عن حماية الأرض وبناء المؤسسات، أن هجوم السيد نصرالله على المملكة العربية السعودية مطلع هذا العام، إستدعى رداً سريعاً من رئاسة الحكومة تبرأت فيه من كلام السيد الذي يقفز فوق الدولة لسخرية القدر ويأتي كل أربعة أعوام ليحاضر عن سعيه الى بنائها، وهو يتحدث أيضاً عن مكافحة الفساد في الدولة وللمفارقة في الأطر الرسمية أي عن طريق “مؤسسات الدولة والقضاء لأن أي طريق آخر يعني التصادم وجر البلد الى حرب أهلية” حسب دعموش.

هروب “حزب الله” اليوم الى الأمام وتشغيله معزوفة الدولة وإختياره لها ومكانتها لديه، يأتي ترجمة لمعركته الانتخابية التي يدير غرفها من الشمال الى الجنوب مروراً بالجبل “عالسكت”. فإنتصار الحزب سيحترم الدولة بالتأكيد لأنه عندها يكون قد إختزلها كلها بجميع مؤسساتها، وتحديداً بالسلطتين التنفيذية والتشريعية وتلك القضائية أيضاً.

يخوض “حزب الله” معركته الانتخابية خارج بيئته. وبحسب متابعين لسياسته في الدوائر الانتخابية كافة، وضعت الضاحية سلم أولويات وجهت في ضوئه غرف عملياتها على الطوائف والمناطق والهدف: أكثرية نيابية عابرة للطوائف اللبنانية، تعطي “حزب الله” ميثاقية كاملة غير منقوصة تسمح له بتشكيل حكومة والإتيان برئيس جمهورية إستناداً الى كتلته النيابية الموجودة في كل البيئات.

وفي سلم الأولويات، وفي ظل نظام الديموقراطية التوافقية التي تساوي كل الأحجام بعضها ببعض، فان الطائفة الدرزية نسبياً هي الأكثر صموداً في وجه ميثاقية “حزب الله”، إذ لا يمكن للحزب أخذ ما تبقى من الدولة اللبنانية وله نائب درزي واحد من أصل ثمانية نواب. لذلك ضاعف عمله هذا العام لاسقاط الحزب “التقدمي الاشتراكي”، لا بل قلب موازين القوى في الداخل الدرزي بأخذ خمسة مقاعد درزية مقابل ثلاثة لوليد جنبلاط، أي مقاعد كل من: تيمور جنبلاط، أكرم شهيب وهادي أبو الحسن في دائرة بعبدا. فيما يأخذ الحزب المقعد الدرزي الثاني في الشوف، والثاني في عاليه، ومقعد بيروت، ومقعدي راشيا وحاصبيا.

في المرتبة الثانية، يأتـي الشارع السني الذي لـ “حزب الله” فيه 6 نواب هم: عدنان الطرابلسي، قاسم هاشم، عبد الرحيم مراد، الوليد سكرية، فيصل كرامي وجهاد الصمد. وهو يطمح الى غزو الطائفة السنية نيابياً هذا العام، بحماسة مردها عزوف تيار “المستقبل” وإعتبار قيادة الحزب أن هذا العزوف يشكل فرصة سانحة لها لكسب ميثاقية سنية تطوف بها الوطن والمنطقة والمحافل الدولية، وترد على المبادرتين الكويتية والسعودية – الفرنسية وعلى كل من يرى لبنان محتلاً من “حزب الله” وإيران. لذلك تنشط غرف عملياته في مدن وقرى سنية بارزة ووازنة خصوصاً في دوائر: الشمال الثانية والجنوب الأولى وبيروت الثانية حيث يستخدم أذرعه وماله الانتخابي “على عينك يا أيها الناخب السني” بوقاحة هدفها كسب نحو نصف المقاعد السنية أي ما يقارب 13 مقعداً.

مسيحياً، يملك “حزب الله” ميثاقية وازنة بفضل حلفائه لاسيما “التيار الوطني الحر”، ولا خوف على إهتزاز حيثيته المسيحية وإن تراجع التيار وذلك بسبب وجود قوى مسيحية أخرى سلمت أمرها للحزب كتيار “المردة” والحزب “القومي”. مع ذلك يخطو “حزب الله” خطوة إضافية في البيئة المسيحية لا سيما المارونية منها تحضيراً للانتخابات الرئاسية حيث الخيارات كثيرة أمامه للإتيان بماروني مواصفاته باسيلية إن لم يكن بد من إسقاط خيار جبران باسيل.

شارك المقال