الحريري عائد لمواجهة الالغائيين والانقلابيين

رواند بو ضرغم

اجتمع الضغط العربي والحصار المحلي لإنهاء الرئيس سعد الحريري وإغلاق منزله السياسي، فتبيّن من خلال الاستحقاق الانتخابي النيابي أنه الأقوى في طائفته السنية ولن يقوى عليه أي عابث بالسلم الأهلي لأنه أبرز من يحميه، حتى لو كان على حساب واقعه السياسي ومستقبله.

الحريري لن يبقى في الخارج، وسيعود حتماً الى بيروت بعد انتهاء استحقاق الخامس عشر من أيار، وسيبقى بين جمهوره، ويلعب دوراً في إنقاذ لبنان من براثن الالغائيين… فالاستحقاق الرئاسي مقبل، ولن يبقى مكتوف اليدين، وأي محاولة للتمديد أو لتأجيل الانتخابات الرئاسية سيكون للحريري موقف منها في حينه، وتحديداً بعدما تؤكد النتائج الانتخابية أن الطائفة السنية لن تفرز أي بديل منه، وسيظهر كل من حمّله مسؤولية الفشل في إدارة الدولة من الحلفاء والخصوم، ومن اتهمه بتسليم البلاد الى “حزب الله”، أنهم هم أنفسهم من يلهثون وراء السلطة وسيتشاركون مع “حزب الله” في الحكومات وفي المجلس النيابي وفي إدارة البلاد.

وفي التفاصيل الانتخابية، فإن الثنائي الشيعي قابض على المقاعد النيابية جميعها، ما يجعله حاصلاً على تعطيل الجلسات بإفقادها ميثاقيتها، وهو حاصل على حلفاء له من المسيحيين يلامسون نصف المقاعد المسيحية، وبالتالي فإن من يعطي غطاءً لـ “حزب الله” ويثبّت شرعيته في المجلس النيابي الجديد هو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع نفسه، الذي يتمسك في هذا القانون الانتخابي بحجة التمثيل المسيحي الصحيح. أما المقاعد السنية والدرزية فلن يمتلك “حزب الله” في المجلس الجديد سوى القليل منها.

في واقع الأمور، إن حلفاء الحريري يتحاملون عليه ويحمّلونه المسؤولية الزائفة. والمجتمعان العربي والغربي كانا يريدان محاربة “حزب الله” ببندقية الحريري، أما هو فلا يقتني السلاح، ويحارب بمواقفه من أجل تحييد أهله عن أي فتنة أو اقتتال داخلي.

كان المزاج العربي يجنح الى اعتبار أنه لا يمكن إجراء أي إصلاح أو أي عمل جدي في لبنان قبل انتهاء ولاية “حزب الله”، ووضع العالم الرئيس الحريري أمام مبدأ “إذا كنت تريد أن تكون عربياً ومؤمناً بالعلاقات العربية الممتازة، فيجب أن تكون مقاوماً لحزب الله ومستعداً لمواجهته وإطلاق شرارة الحرب في وجهه”. وبالتالي بات الحريري أمام خيارين: إما البقاء في السلطة وافتعال الحرب مع مكون لبناني، أو العزوف عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي وتعليق عمله السياسي، وهكذا حصل. صحيح أن لا أحد يعلم بما سمع الحريري وممن، ولكننا نستطيع أن نرى النتيجة المتمثلة في قراره الابتعاد عن الحياة السياسية بإرادته، لحماية لبنان من أي مواجهة داخلية ولتجنيب اللبنانيين الفتن الداخلية.

وبعد الحرب السياسية التي شُنّت على الحريري، عادت دول الخليج الى لبنان نتيجة بيان صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أقل ما يقال عنه إنه عبارة عن تكرار ممل لمواقف سابقة، كان الحريري أساساً يتبناها ويعمل على تحقيقها. أما الواقع فأظهر أن المطلوب كان أن يبتعد الحريري عن الساحة السنية ليتركها ساحة للمنقلبين الجدد علي.

هذا التعاطي العربي مع لبنان، لم يحمل أي بذور لتحقيق مستقبل للعلاقات الحقيقية بين العرب واللبنانيين، وليس المقصود دعم الطائفة السنية فقط للملمتها، إنما ضرورة دعم فكرة وجود لبنان وضمان استقلاليته ومساعدته على حكم نفسه بنفسه وإنهاضه من الانهيار.

وأخيراً، لمن كان يطمح الى وراثة الحريري من الأقربين اليه والأبعدين، فإن أحداً لا يستطيع أن ينتصر انتصاراً نهائياً، ولبنان بلد قائم على موزاييك طائفي سياسي، لا يُنصر فيه طرف ويُذل آخر. العودة الى التاريخ هي مدخل للواقعية السياسية اللبنانية، فالفلسطينيون والسوريون حاولوا وضع اللبنانيين تحت حكم الطاعة وأخفقوا، وحتى الرابع عشر من آذار حاولوا التغلب على الثامن من آذار وانقلبت عليهم الأمور في النهاية، وكذلك “حزب الله” جرّب السيطرة في السابع من أيار وفشل… مبدأ الالغاء في لبنان ممنوع، وسيحترق كل من يسير في دربه.

شارك المقال